الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين

صفحة 132 - الجزء 1

  وإن قال: الافتراق.

  قلنا: فكيف يفترق ما لم يكن مجتمعاً.

  فلا بد من أن يكون في الأزل على إحدى الصفتين.

  وأما الدعوى الثالثة: في أن هذه الأعراض محدثة: هو أن هذه الصفات متجددة، فوجب أن تكون المعاني التي توجب هذه الصفات متجددة أيضاً، ولأن الجسم إذا كان مجتمعاً فافترق فحال الاجتماع لا يخلو من ثلاثة: إما أن يكون باقياً كما كان، وهذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى جمع الضدين، وإما أن ينتقل، وهذا أيضاً باطل؛ لأن الانتقال من صفات الأجسام، فلا يجوز أن يكون العرض منتقلاً؛ لأنه يؤدي إلى قلب ذات العرض، وهذا محال، فلم يبق إلا أن يكون قد بطل الاجتماع وعدِمَ، والعدمُ والبطلانُ لا يجوز على القديم، فوجب أن يكون محدثاً.

  وأما الدعوى الرابعة: إذا ثبت أن في الجسم معنى وأن الجسم لا يخلو منه، وثبت أن هذا المعنى محدث، وجب أن يكون الجسم أيضاً محدثاً، كزيد وعمرو إذا ولدا معاً ولم يسبق أحدهما الآخر، وعلم أن لزيد عشر سنين، علم أيضاً أن لعمرو كذلك، ولو قال قائل لأحدهما عشر سنين وللآخر عشرين سنة عدّه العقلاء مناقضاً كاذباً، كذلك قول من أقرّ بأن في الجسم معانٍ محدثة والجسم لا يخلو منها، ولكن الجسم قديم مناقضاً كاذباً؛ لأن القديم «لم يزل، ولا أول لوجوده»، والمحدث «ما وجد بعد أن لم يكن، ويكون لوجوده أول».

  فالجسم والعرض إذا كانا معاً ولم يتقدم أحدهما على الآخر وجب أن يكون حكمهما واحد، فإذا كان العرض محدثاً وجب أن يكون الجسم محدثاً وهذا ظاهر.

  فصل: والدليل على أن للعالم صانعاً أحدثه بعد أن لم يكن: أنه ثبت حدوث العالم، والمُحدَث يحتاج إلى مُحدِث؛ لعلمنا أن أفعالنا تحتاج إلينا في حدوثها لكونها