الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين

صفحة 141 - الجزء 1

  قلنا: موجود، قادر، عالم، حي، سميع، بصير، لم يزل ولا يزال.

  فإن قال: أنتم تقولون هو شيء لا كالأشياء، فنحن نقول جسم لا كالأجسام؟

  قلنا: (الشيء): اسم لما يعلم ويخبر عنه، وهو اسم يقع على مختلف، ومتماثل، ومتضاد، ومعدوم، وموجود، وجسم، وعرض، وقديم، ومحدث، والله - تعالى - يعلم ويخبر عنه، إذا قلنا: إنه - تعالى - شيء لا كالأشياء، لا يكون متناقضاً.

  فأما (الجسم): فهو اسم للطويل العريض العميق، فإذا قلنا: إنه - تعالى - جسم، أثبتنا أنه طويل عريض عميق، وإذا قلنا: لا كالأجسام، قلنا أنه ليس بطويل عريض عميق، فهذه مناقضة ظاهرة، فلا يجوز أن يسمى جسماً.

  ويعلم أنه - تعالى -: لا يدرك بشيء من الحواس الخمس، خلافاً لمن قال إنه - تعالى - يدرك بحاسة البصر والسمع، والدليل على أنه ليس يُرى قوله - تعالى -: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}⁣(⁣١)، فتمدح بنفي الرؤية عن ذاته، وإثبات الرؤية يكون نقصاً له، والنقص لا يجوز على الله - تعالى - لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقال في جواب موسى: {لَنْ تَرَانِي}⁣(⁣٢)، و (لن) تكون في لغة العرب للتأبيد، فيجب أن لا يُرى أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة.

  ولأن الله - تعالى - على الصفة التي لو رُأي لكان يُرى عليها؛ لأن التغير لا يجوز عليه - تعالى -، ونحن على الحال الذي لو رأيناه ما رأيناه إلا عليها، من صحة الحاسة والموانع المعقولة من الرؤية التي تستحيل عليه - تعالى -، كالبعد المفرط، والقرب المفرط، والحجاب والرقة واللطافة، فكان يجب أن يُرى، فلو جاز أن نراه مع هذه لجاز أن يكون بين أيدينا فيلة عظيمة وجبال لا نراها، ولو جاز لبطلت الحقائق والدلائل، وهذا محال.

  ولأنه لو كان مرئياً لوجب أن يكون مقابلاً أو في حكم المقابل أو حالّاً في


(١) سورة الأنعام: ١٠٣.

(٢) سورة الأعراف: ١٤٣.