الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين
  المقابل، ولو كان كذلك لكان جسماً أو عرضاً، وقد ثبت أنه ليس بجسم ولا عرض، وأما قوله - تعالى -: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}(١)، ليس المراد به الرؤية، وإنما المراد به: النظر والانتظار، ونحن نحمله عليها؛ لأن أهل الجنة ينظرون في النعم التي يتناولونها في الحال، وينتظرون أمثالها في المستقبل، وكِلا التأويلين مرويات عن أمير المؤمنين #، وجماعة من الصحابة وخلق من التابعين.
  وأما سؤال موسى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}(٢)، إنما سأل عن سؤال قومه بإذن الله حتى يبين لهم الحجة أنه لا يُرى؛ لأنهم سألوا موسى فقالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(٣)، وقال - تعالى -: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}(٤)، ولذلك قال موسى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}(٥)، فثبت أنه سأل عن قومه.
  وأما الخبر الذي يروى عن النبي ÷: «سترون ربكم يوم القيامة ..» لو صح الخبر فالمراد به العلم، يعني: أنكم ستعلمون ربكم بالضرورة من غير كلفة نظر، ومن غير دخول شك أو شبهة، والرؤية تكون بمعنى العلم قال الله - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦}(٦)، أي ألم تعلم، و {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}(٧)، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن.
(١) سورة القيامة: ٢٢ - ٢٣.
(٢) سورة الأعراف: ١٤٣.
(٣) سورة البقرة: ٥٥.
(٤) سورة النساء: ١٥٣.
(٥) سورة الأعراف: ١٥٥.
(٦) سورة الفجر: ٦.
(٧) سورة الفرقان: ٤٥.