الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في الصبر والشكر والدعاء

صفحة 175 - الجزء 1

باب في الصبر والشكر والدعاء

  الصبر والشكر والدعاء من جملة الإيمان والعبادات، ولكن لها شروط.

  أما الصبر قال - تعالى -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ١٠}⁣(⁣١)، وقال - تعالى -: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}⁣(⁣٢)، وقال لرسول الله ÷: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}⁣(⁣٣)، يعني: بتوفيق الله - تعالى - ولطفه تصبر على تحمل الرسالة وتبليغها، والمجاهدة عليها وعلى سائر الطاعات، وقال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ}⁣(⁣٤)، يعني: يعفو عن الناس، ولا يكافئهم بالإساءة، {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ٤٣}⁣(⁣٥)، يعني: من أعظم الطاعات، والصبر: احتمال المكاره على فعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وروى ابن مسعود عن النبي ÷ أنه قال: «الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله»⁣(⁣٦).

  فإذا ثبت ذلك فيجب على المكلف أن يصبر على ما أمره الله - تعالى - به، ويصبر على ما نهاه عنه وإن كان فيه مشقة ومخالفة الهوى، ويجب أن يرضى بجميع ما قضى الله له من المرض، والآلام، والموت، ونقصان النفس، والمال، ولا يجزع على شيء منها، ويعلم أن صلاحه وخيره فيه، فأما إذا كان الألم والضرر من جهة غير الله يجوز أن يجزع عليه، ولكن لا يقول شيئاً بخلاف الشرع.


(١) سورة الزمر: ١٠.

(٢) سورة البقرة: ١٧٧.

(٣) سورة النحل: ١٢٧.

(٤) سورة الشورى: ٤٣.

(٥) سورة الشورى: ٤٣.

(٦) المعجم الكبير للطبراني ج ٥ ص ٢٢، الأمالي الخميسية ج ٢ ص ٢٦٧.