الباب الثاني: في بيان النفع الذي يحسن طلبه والضرر الذي يحسن التحرز عنه
الباب الثاني: في بيان النفع الذي يحسن طلبه والضرر الذي يحسن التحرز عنه
  إذا ثبت في عقل كل عاقل حسن طلب النفع ووجوب دفع الضرر، ولهما أسباب بها يطلب النفع وبها يدفع الضرر، فإذا كان النفع أكثر وأعظم فالسعي في طلبه أولى، وكذلك إن كان الضرر أعظم فالسعي في دفعه أوجب.
  فإذا قيل: أليس بعض العقلاء لا يطلبون الدنيا ولا يرون طلبها؟
  قلنا: إنهم لا يطلبون الدنيا لنفع أعظم منه، وذلك نعيم الجنة ودرجاتها حتى يصلوا إليها، وأيضاً إنهم يتركون طلب الحرام ومع ذلك يقرون أن طلب النفع حسن.
  وأيضاً إنهم يقولون: إن النفع الذي يصل إلينا بترك طلب نفع الدنيا أعظم وأحسن وأبقى.
  وهذا السؤال أيضاً باطل لوجهٍ آخر؛ لأنهم يطلبون أرزاقهم وما لابد لهم منه والعقلاء لا ينكرون ذلك حتى أن غير العقلاء يطلب رزقه كالطير والوحش، فإذا ثبت هذا نظرنا فوجدنا المطلوب شيئين:
  [الأول]: نفع الدنيا وأسبابها.
  والثاني: ثواب الآخرة والنجاة من العقاب.
  ولنفع الدنيا آفات كثيرة - وإن كان طلبه حسناً - وجميع العقلاء يطلبون نفع الدنيا ولهم رغبة في أسباب الدنيا وجمعها، وطلب الدنيا على وجهين:
  أحدهما: حلال.
  والثاني: حرام.