الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الثالث: في سبب النيل للثواب والنجاة من العقاب

صفحة 51 - الجزء 1

  لكن بناءه على ثلاثة أشياء:

  أحدها: أن يعرف أنه يعمل بأمر الله وعبادته له، ولا يصح له إلا بعد أن يعرف الله - تعالى - ويعرف صفاته وعدله، ويعرف رسله؛ حتى يعرف أن عبادته بأمر الله، فإذا ثبت هذا فيجب أن يعرف أولاً أصول الدين.

  والثاني: يجب أن يعرف ما يعمله؛ لأن لكل عبادة شروطاً ولها أركاناً وسنناً، لا بد من معرفة شروطها وأركانها وسننها حتى يتمها بشروطها، فإذا لم يعرف شروطها ولم يؤدها بأركانها وسننها لم تكن عبادة.

  والثالث: يجب أن يعرف أن عبادته لأي غرض؛ لأنه لو عمل لغير غرض صحيح أو لغرض دنيوي لا تكون عبادة، فيجب أن يعرف أنه يفعل العبادة؛ لأنها واجبة عليه ومصلحة له وعبادة لله - تعالى -، وأمثال ذلك أكثر مما لا يمكن بيانه وذكره في هذه الرسالة.

  فإذا كان الأمر هكذا والعمل بغير العلم لا يكون عبادة، فيجب أن يبدأ بالعلم حتى يعرف؛ لأن من لم يعرف الصلاة كيف يصلي، وإذا لم يعرف الرسول ÷ كيف يؤمن به، وثبت في عقل كل عاقل أن العلم فريضة ولذلك قال الله - تعالى -: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}⁣(⁣١)، وقال: {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}⁣(⁣٢)، وقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}⁣(⁣٣)، وقال النبي ÷: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»⁣(⁣٤)، وأخبار كثيرة.


(١) سورة الزمر: ٩.

(٢) سورة المجادلة: ١١.

(٣) سورة فاطر: ٢٨.

(٤) سنن ابن ماجه ج ١ ص ٨١، مسند البزار ج ١٤ ص ٤٥، المعجم الكبير للطبراني ج ١٠ ص ١٩٥.