الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الثالث: في سبب النيل للثواب والنجاة من العقاب

صفحة 52 - الجزء 1

  والعلم على أقسام شتى:

  أولها: علم التوحيد وأصول الدين.

  والثاني: علم الشريعة وهو كتب الفقه.

  والثالث: علم الأخبار ورواياتها.

  والرابع: علم التفسير ومعاني القرآن.

  ولا بد لهذه العلوم من ترتيب ودرجة، فإذا لم يعلم أصول الدين: والتوحيد، والعدل، والنبوات، لا ينتفع بسائر العلوم، ولا يحصل المقصود؛ لأن القرآن كلام الله - تعالى - والفقه أركان أمر الله - تعالى - بها والحديث أخبار رويت عن رسول الله ÷، فإذا لم يعرف الله، كيف يعرف كلام الله؟ وإذا لم يعرف الرسول، كيف يعرف صحة الأخبار عنه؟

  فإذا عرف الله - تعالى -، تعرَّف بالمعجزات الرسولَ وتعرَّف أنه صادق؛ لأن الله - تعالى - حكيم لا يظهر المعجز على يد الكاذب، ويعلم بذلك أن القرآن حجة؛ لأنه كلام حكيم لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز عليه التلبيس، ويعلم أن كلام الرسول حجة؛ لأنه معصوم ولا يجوز عليه الكذب.

  وإذا لم يعرف الأصول لم يمكن أن تحصل له هذه العلوم، فإذا عرف الأصول يصح أن يعرف هذه العلوم، وهذه الأصول لا يمكن معرفتها ضرورة، والتقليد ليس بطريق للمعرفة، فلم يبق إلا أن ينظر في الدليل حتى يعرف هذه الأصول، ولذلك قال الله - تعالى -: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}⁣(⁣١)، وقال - تعالى -: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}⁣(⁣٢)، وقال - تعالى -:


(١) سورة الأعراف: ١٨٥.

(٢) سورة يونس: ١٠١.