الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب السادس: في بيان كيفية الخلاف الذي ظهر في الأمة وبيان ظهور كل فرقة

صفحة 74 - الجزء 1

  على منبري فاقتلوه»⁣(⁣١)، وفي مواضع لعنه رسول الله ÷، وكيف يقع في مقابله مثل الحسن #، ولكن علم الحسن # أن قومه بعضهم مال إلى معاوية وكان بعضهم خوارج، وهكذا يكون من جهة الهوى والطمع يميل بميل الناس إلى الظلمة وأبناء الدنيا، فلهذا رأى الحسن # المصلحة أن يعتزل عن مثل هذا الخلق فصالح وما انعزل عن إمامته، وما صار معاوية إماماً بل إنما فعل الحسن مع معاوية مثل فعل جده رسول الله ÷ مع أبو سفيان من المصالحة فما أنعزل عن الرسالة، فكذلك ما خرج الحسن # من الإمامة.

  والخلاف الآخر: كان في أيام الحسين # فإن جميع المسلمين قالوا بإمامته، وأكثر الناس بغوا عليه وقالوا بإمامة يزيد - لعنه الله -، وقتلوه مع ما سمعوا قول الله - تعالى -: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}⁣(⁣٢)، كأن الله - تعالى - أمر بعداوتهم لا بمودتهم! ولما علم سيد المرسلين جفاء الأمة وأفعالها القبيحة بأعز أولاده ولم يزل يوصي بحبهم وبالتمسك بهم فقال: «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي»⁣(⁣٣)، ويقول: «الحسن والحسين مني بمنزلة السمع والبصر»⁣(⁣٤)، ويقول: «الحسن والحسين ريحانتي في الدنيا»⁣(⁣٥)، وروي أن الحسين # كان عند


(١) تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٥٩ ص ١٥٥، أنساب الأشراف ج ٥ ص ١٢٨، تاريخ الطبري ج ١٠ ص ٥٨.

(٢) سورة الشورى: ٢٣.

(٣) يسمى حديث الثقلين وهو من الأحاديث المتواترة أخرجه الكثير منهم: مسلم ج ٤ ص ١٨٧٣، مسند أحمد ج ١٧ ص ١٧٠، مسند ابن أبي شيبه ج ١ ص ١٠٨، مسند ابن الجعد ص ٣٩٧، المعجم الكبير للطبراني ج ٣ ص ٦٥، المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١١٨، السنن الكبرى للنسائي ج ٧ ص ٣١٠.

(٤) لم أجد رواية بهذا اللفظ وإنما روي هذا لأبي بكر وعمر في السنة لابن أبي عاصم ج ٢ ص ٥٧٥ وغيره.

(٥) مسند أحمد بن حنبل ج ٩ ص ٤٠٣، صحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٤١٩، المعجم الكبير =