الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب التاسع: في بيان مذهب الباطنية

صفحة 84 - الجزء 1

  الأسود وإغارة مكة، وما فعله زكرويه⁣(⁣١) وغيره، وآخر الأمر هلكوا وزهق الباطل وبقي الإسلام ظاهراً كما كان.

  ولهم مقالات كلها بخلاف مقالات أهل الإسلام:

  أما في التوحيد: قالوا إن الله لا يمكن أن يوصف بصفة، ولا يمكن أن يعلم ويخبر عنه، ويقولون إن الله - تعالى - لا يفعل شيئاً بالقصد، ولكن يقولون ظهر منه سببان روحانيان أحدهما السابق والآخر التالي، والسابق ظهر أولاً ثم ظهر التالي من السابق، ثم التالي خلق العالم وهو المدبر للعالم.

  ويقولون: إن الأصل القديم لا يوصف بأنه موجود ولا لا موجود، ولا مذكور ولا لا مذكور، ولا معلوم ولا لا معلوم، ولا قادر ولا لا قادر، ولا عالم ولا لا عالم، ولا حي ولا لاحي، ولكنهم يقولون بالطبع وتأثير الطبائع.

  وفي النبوات: ينكرون الوحي ومجيء الملائكة والمعجزات، ويقولون كلها رموز وإشارات لم يعلمها أهل الظاهر، فمعنى ثعبان موسى حجته، ومعنى إظلال الغمام أمره عليهم، وأنكروا أن يكون عيسى من غير آب، ومعنى لا أب له أنه لم يأخذ العلم من إمام وإنما أخذه من نائب إمام، ويقولون القرآن كلام محمد ÷، ونبع الماء من بين الأصابع إشارة إلى تكثير العلم، وطلوع الشمس من المغرب خروج الإمام.

  وينكرون القيامة والآخرة والبعث والنشور، والجنة والنار على ما ورد به القرآن وما عُرف من دين الرسول ÷ ضرورة، ويقولون إن معرفة المعاد واجب بخلاف ما عليه أهل الظاهر، ومعنى القيامة قائم الزمان،


(١) زكرويه بن مهرويه القرمطي، أغار على حجاج خرسان سنة ٢٩٤ هـ وأخذ أموالهم، واستباح حريمهم. تاريخ الطبري ج ١٠ ص ١٣٢.