البحث الرابع في أحكام الاستعارة
  وقوله ÷: «المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا» وقوله #: «المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى سائر أعضائه بالسهر والحمى» وقوله ÷: «الحياء من الإيمان كالرأس من الجسد» وقوله ÷ «الناس كأسنان المشط في الاستواء» وقوله ÷:
  «مثل المنافق كالشاة العائرة بين الغنمين» وقوله: «مثل هذه الصلوات الخمس كمثل نهر جار على باب أحدكم ينغمس فيه كل يوم خمس مرات، ما عسى أن يبقى عليه من الدرن» وقوله ÷ أمتي كالمطر، لا يدرى أوله خير أم آخره. وقوله #: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». وفي الحديث «كان رسول اللّه ÷ إذا استبشر فكأن وجهه قطعة قمر». وفي الحديث عن النبي ÷ أنه «كان إذا دخل رمضان كان أجود من الريح العاصف». وفي حديث آخر «كالريح العاصف» وقوله # فكأنكم بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل. وأما التشبيهات المركبة فهي كثيرة في كلامه # كقوله: إنه لم يبق من الدنيا إلا كإناخة راكب أو صر حالب، لأن التقدير فيما هذا حاله إلا كراكب أناخ راحلته أو صر حالب، والصر: وضع الخيط على ثدي الناقة لئلا يرضعها ولدها، والمراد لم يبق من الدنيا في القلة إلا مقدار صرة، لأنه عن قريب ينقضه للحلب. وكقوله #: فكأن قد كشف القناع، وارتفع الارتياب، وتقرير وجه التشبيه أنه شبه وضوح الأمر في الآخرة وتحقيق الحال فيها بشئ كان مغطى فكشف قناعه، فظهر حاله، وبان أمره واتضحت حقيقته. وأكثر ما ذكرناه في أحاديث التشبيهات المفردة يمكن إيرادها في المركبة وهذا كقوله: مثل الصلاة كمثل نهر جار، فإن هذا يمكن أن يكون من المركبة، لأن التركيب قد قررناه من قبل أن كل ما كان من وصفين أو أكثر من ذلك، فهو مركب.
  فأنت إذا تصفحت ما ورد من الأحاديث، وجدت أكثرها مركبا. وأما التشبيهات التي أضمر فيها أداة التشبيه فهي واسعة أيضا وهذا كقوله #: «إن من في الدنيا ضيف وما في يده عارية، والضيف مرتحل، والعارية مردودة» فالإضمار لأداة التشبيه في هذا سهل متيسر من غير تكلف كأنه قال الناس كالضيف في الدنيا لسرعة انتقالهم، وما في أيديهم من الأموال عارية، وعن قريب ترد العارية، ويأخذها مالكها. ولا يكاد يخفى التشبيه على من له أدنى ذوق وفطانة وكقوله # «الدنيا دار التواء، لا دار انتواء، ومنزل ترح، لا منزل فرح» فأداة التشبيه يمكن إظهارها من غير تكلف، ولا تعسر كما ترى. وقد يخفى تقدير أداة التشبيه بعض خفاء فيحتاج إلى مزيد تفطن ومزيد خبرة ودقة