الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

البحث الثاني في بيان حكمها

صفحة 4 - الجزء 2

  المجاز، بخلاف التشبيه، فإن ما كان منه مضمر الأداة، فهو معدود في الاستعارة والتمثيل، وهو مجاز، وما كان مظهر الأداة فليس معدودا من المجاز، وإن عدّ في البلاغة كما أسلفنا تقريره.

  ومن غريب أمثلة التمثيل ما قاله ابن الرومي⁣(⁣١):

  إذا أبو قاسم جادت لنا يده ... لم يحمد الأجودان البحر والمطر

  وإن أضاءت لنا أنوار غرّته ... تضاءل النيّران الشمس والقمر

  وإن نضا حدّه أو سلّ عزمته ... تأخّر الماضيان السيف والقدر

  من لم يبت حذرا من سطو صولته ... لم يدر ما المزعجان الخوف والحذر

  ينال بالظنّ ما يعيى العيان به ... والشاهدان عليه العين والأثر

  ومن ذلك ما قاله أبو تمام⁣(⁣٢):

  مها الوحش إلّا أنّ هاتا أو انس ... قنا الخط إلّا أنّ تلك ذوابل

  ومن جيّد ما يقال في أمثلة التمثيل قوله تعالى: {أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً}⁣[الجاثية: ٢٣].

  مثّل اللّه تعالى حال من انقاد لهواه، واستولى عليه سلطانه، حتّى صار عقله موطوءا بقدم الهوى، وجعل في إسار الذّلّ، وربقة الملكة وحصل غالبا عليه في جميع أحواله مطيعا له في كلّ أموره، بحال من له إله يعبده، ويطيعه في جميع أوامره ونواهيه، ثم لمّا علم اللّه تعالى من حاله ما ذكرناه أضلّه بترك الألطاف الخفيّة على علم باستحقاقه للخذلان لإعراضه، ومثّلت حالته فيما صار إليه من الخذلان بسلب الألطاف، بحال من ختم على سمعه، وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، في النكوص والتمرّد عن الهدى، وسلوك جانب الغىّ، وركوب غارب البغى، فمن هذه حاله لا يرجى صلاحه، فهكذا حال من ساعد هواه وكان مطيعا له في الأمور كلها.

  ومن التمثيل الرائق قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ}⁣[الأنعام: ٢٥] وقوله: {وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}⁣[يس: ٩].


(١) انظر المصباح / ١٧٣، وفيه نسبة الأبيات لابن الرومي، وقد نسبت أيضا لأحمد بن أبي طاهر في الصناعتين / ٤٨٠.

(٢) انظر المصباح / ١٧٢، وديوان أبى تمام ١/ ٢٤١.