القسم الثاني من التكرير في المعنى دون اللفظ،
  ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ}[الأعراف: ٣٣] إن المعنى فيها ما حرم ربى إلا الفواحش، وقد رأيت ما يدل على ذلك ويؤذن بصحته، كقول الفرزدق(١):
  أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
  فانفصال الضمير دال على ذلك، كما لو قال ما يدافع عنهم إلا أنا أو مثلي، وقال أبو إسحاق الزجاج والذي أختاره في قوله تعالى: {إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ}[البقرة: ١٧٣] أنه في معنى ما حرم عليكم إلا الميتة؛ لأن «إنما» إنما تأتى إثباتا لما يذكر بعدها، ونفيا لما سواه، قال الشيخ عبد القاهر لم يعنوا بذلك أنهما يكونان بمنزلة المترادفين؛ لأنه ربما يصلح أحدهما حيث لا يصلح الآخر، لهذا فإنك تقول: ما من إله إلا الله، وما أحد إلّا يقول ذاك، فما هذا حاله يصلح فيه «ما» و «إلا» ولا يصلح فيه «إنما» وتقول إنما هو درهم لا دينار، فيصلح فيه «إنما» ولا تقول: ما هو إلا درهم لا دينار.
دقيقة
  اعلم أن «إنما» الأصل في وضعها أن تكون لما لا يجهله المخاطب أو ما ينزل منزلته، فأما الأول فمثاله قوله تعالى: {إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ}[هود: ١٢] وقوله {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ}[الرعد: ٧] و {إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ}[طه: ٩٨] و {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ٤٥}[النازعات: ٤٥] وقوله تعالى: {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ}[فاطر: ٢٨] إلى غير ذلك مما يتضح الأمر فيه ويكون ظاهرا، وأما مثال الثاني فقولك: إنما هو أخوك، وإنما هو صاحبك القديم، فتذكر هذا لمن يعترف بحقه ويقرّ به، غير أنك تريد أن تنبيه إلى ما يجب من حق الأخوة وحرمة الصحبة، قال الشاعر(٢):
  إنما مصعب شهاب من الله ... تجلّت عن وجهه الظلماء
  وتقول: إنما هو أسد وسيف صارم، أي أن هذه الصفات ثابتة لازمة له.
(١) البيت للفرزدق، وهو في ديوانه ٢/ ١٥٣، والمصباح ص ٩٦، ومعاهد التنصيص ١/ ٢٦٠، ولسان العرب (قلا)، ولأمية بن أبي الصلت في ديوانه / ٤٨، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ١١١، لسان العرب (أنن)، وتاج العروس (ما)، وهو للفرزدق في الإيضاح ص ١٢٦ بتحقيقنا.
(٢) البيت لابن قيس الرقيات، وهو في المصباح ص ٩٨، والإيضاح ص ١٢٩ بتحقيقنا، ودلائل الإعجاز / ٣٣١، وشرح المرشدى على عقود الجمان ١/ ١٤٤.