الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من التكرير في المعنى دون اللفظ،

صفحة 108 - الجزء 2

  الصورة الثانية [حرف الإثبات «أنّ»]

  وهو «أنّ» وإنما ترد على جهة التأكيد للجملة الابتدائية، وتدخل الفاء عليها وقد لا تدخل، وهو الأكثر المستعمل في كتاب الله تعالى، والضابط لدخولها وعدم دخولها هو أنها إذا كانت مذكورة للربط بين الجملتين حتى كأنهما قد أفرغا في قالب واحد وسبكا سبكا منتظما، فإنها تأتى بغير فاء وهذا كقوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ١٧}⁣[لقمان: ١٧] وقوله تعالى: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ}⁣[الحج: ١] وقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}⁣[التوبة: ١٠٣] وقوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ٣٧}⁣[هود: ٣٧] وقوله تعالى:

  {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ٥٣}⁣[يوسف: ٥٣] وهذا وارد في التنزيل كثير لا يحصى كثرة أعنى زوال الفاء عنها كما مثلناه فأما كلام علماء البيان فالفاء إنما حذفت وهي مما تؤذن بالوصل لأن الحال محمول على تقدير سؤال كأنه قال قائل: هل صلاة الرسول سكن لهم، فقيل له: إنها سكن لهم، وهكذا القول في جميع ما أوردناه من الأمثلة فإنه وارد على هذه الطريقة وعلى ما ذكرناه - فإنه يخالف ما قرروه في ذلك، والغرض من زوالها ما قررناه من كون الجملتين مزجا مزجا واحدا وكقول من قال⁣(⁣١):

  فغنّها وهي لك الفداء ... إنّ غناء الإبل الحداء

  وقول بعضهم:

  عليك باليأس من الناس ... إنّ غنى الأنفس في الياس

  وقول بعض الشعراء⁣(⁣٢):

  جاء شقيق عارضا رمحه ... إنّ بنى عمّك فيهم رماح

  وحيث تكون الجملة الثانية مغايرة للجملة الأولى فإن الفاء تأتى متصلة بها وهذا كقوله تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ١٦١}⁣[الصافات: ١٦١] وقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا


(١) انظر البيت في الإيضاح بتحقيقنا.

(٢) انظر البيت في المصباح ص ١١، والتبيان بتحقيقنا ص ١/ ١٤٤ وهو لحجلة بن نضلة الباهلي، وهو شاعر جاهلي، والبيت أيضا في دلائل الإعجاز للجرجاني ص ٣٠٤، ص ٣١٢، والشاهد في قوله (إن بنى عمك فيهم رماح) وهو تنزيل العالم منزلة المنكر.