الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

القسم الثاني من التكرير في المعنى دون اللفظ،

صفحة 111 - الجزء 2

  أكرمتني لما كانت مطابقة للشرط في صلاحية الاستقبال، فإن وردت لنفى المستقبل فإنما هي على المجاز، والحقيقة ما ذكرناه من نفى الحال، واستغراق الكلام في أسرارها إنما يليق بالمقاصد الإعرابية وفيما ذكرناه غنية فيما نريده هاهنا.

  الحالة الثالثة «لا» و «لن» وهما موضوعان لنفى الأزمنة المستقبلة، فإن استعملا في غير الأزمنة فإنما يكون على جهة المجاز والاستعارة، فيشتركان جميعا في كونهما دالتين على النفي مطلقا، وفي كونهما لنفى الأزمنة المستقبلة، وهذا لا يقع فيه خلاف بين أئمة الأدب من أهل اللغة والنحاة في وضعهما حقيقة لما ذكرناه، وإنما يفترقان من جهة أن «لن» آكد من «لا» في نفى المستقبل مطلقا، قال الزمخشري فيما عمله في مفصله و «لن» للنفي لتأكيد ما يعطيه «لا» من نفى المستقبل، وأراد بما قاله أن «لن» في النفي مرشدة إلى التأكيد، وأن نفيها أبلغ من نفى «لا» ولهذا جاءت على أنها معطية لما أعطته «لا» مع زيادة بلاغة في تلك الفائدة التي أدتها «لا» ويقوى ما ذكره الشيخ من طرق ثلاثة.

  الطريق الأول قوله تعالى في آية: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ}⁣[الأنعام: ١٠٣] فنفى الإدراك عن ذاته على جهة العموم في الأزمنة المستقبلة، فلما أراد المبالغة في النفي بأبلغ من ذلك قال جوابا لسؤال موسى حيث قال {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي}⁣[الأعراف: ١٤٣] فأتى بالجواب على جهة المبالغة بقطع الرجاء وحسما لمادة الطمع والتشويق إلى ذلك لأحد، ويؤيد كونه واردا على جهة المبالغة، هو أنه عقبه بالتعليق على أمر محال حيث قال {وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ}⁣[الأعراف: ١٤٣] الآية فتعقيبه بالمحال عقيب ما قرره من المبالغة بالنفي فيه دلالة قاطعة على ما ذكرناه من مقالة الشيخ بلا مرية.

  الطريق الثاني قوله تعالى في آية: {قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ٦}⁣[الجمعة: ٦] ثم قال {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً}⁣[الجمعة: ٧] فجاء في الجواب هاهنا بلا، وقال في آية أخرى {قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ٩٤}⁣[البقرة: ٩٤] ثم قال في هذه الآية {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً}⁣[البقرة: ٩٥] فجاء في الأولى «بلا» وجاء في الثانية «بلن» لأنه لما لوحظ في الثانية معنى البلاغة من جهة أنه أكده، بلكم، على جهة الملك والاختصاص من بين سائر الناس ووصف الدار بكونها آخرة مبالغة في أمرها وإيضاحا لشأنها، وقرره بقوله «عند الله» إيضاحا للأمر أيضا ثم قال «خالصة» يعنى مختصين بها