الباب الثاني في ذكر الدلائل الإفرادية وبيان حقائقها
  وتقول لألزمنّ صحبتك ولو أقصيتنى ولأشكرنك ولو لم تعطني، إلى غير ذلك من الأمثلة، وكقول امرئ القيس(١):
  فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالى
  فإذا كان ملازما لها مع تقطيع الأوصال فملازمتها مع المحبة والألفة تكون أدخل لا محالة، وهذه الواو هي المطلعة على هذه الأسرار، فإذا قدّر زوالها زالت البلاغة، وكقول زهير(٢):
  ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو رام أسباب السماء بسلّم
  والمعنى في هذا أن كل من كان هائبا لأن تناله المنايا في غاية البعد عنها، فهي لا محالة واقعة به ومصيبة له، فكيف حال من لا يدخل في قلبه هيبة لها، هي في الإصابة له أدخل وأقرب إلى هلاكه وأسرع.
  التأويل الثالث أن تكون «لو» في بابها بمنزلة إن الشرطية كما قاله الفراء، وعلى هذا يكون دخول حرف النفي مفيدا لمعناه من النفي من غير قلب له كما كان ذلك في إن الشرطية من غير فرق بينهما، وعلى هذا يكون معناه أنه إن لم يخف الله فلا يعصيه بحال كما تقول إن لم تكرمنى لم أكرمك، فالإكرامان منفيان، وعلى هذا يكون الخوف منفيا والعصيان مثله في النفي أيضا، والتأويلان الأوّلان عليهما يكون التعويل؛ لأن «لو» شرط فيما مضى بخلاف إن، خلافا لما زعمه الفراء، وقد قررنا معناها في الكتب الإعرابية.
  الصورة السادسة [ما، وإلا]،
  اعلم أن «ما» و «إلا» إذا تركبا في الكلام فإنهما يفيدان الحصر لا محالة، إما في الأسماء، وإما في الصفات، فهذان وجهان، الوجه الأول الحصر في الأسماء، إما في الفاعل كقولك ما ضرب عمرا إلا زيد، فالمعنى في هذا أنه لا ضارب لعمرو إلا زيد، و إما في المفعول كقولك، ما ضرب زيد إلا عمرا، فالمعنى فيه أنه لا مضروب لزيد إلا عمرو، ولو قلت ما ضرب إلا عمرا زيد، كانا سواء؛ لأن الغرض هو حصر المفعول، وهو ما يلي
(١) البيت لامرئ القيس، وهو في ديوانه ص ٣٢، والخصائص ٢/ ٢٨٤، والدرر ٤/ ٢١٢، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١/ ٢٣٢.
(٢) البيت لزهير بن أبي سلمى، وهو في ديوانه ص ٧٦، والخصائص ٣/ ٣٢٤، ٣٢٥، وسر صناعة الإعراب ١/ ٢٦٧، وشرح شواهد المغنى ١/ ٣٨٦، ولسان العرب (سبب).