الباب الثاني في ذكر الدلائل الإفرادية وبيان حقائقها
  «إلا» سواء تقدم الفاعل أو تأخر عن المفعول، ومما جاء في حصر الفاعل قوله تعالى:
  {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ}[فاطر: ٢٨] فالمعنى أنه لا خاشى لله إلا هم، وأنهم هم المستبدون بمراقبة الله تعالى: وتعظيم شأنه من بين سائر الخلق، ولو كان الحصر واقعا في المفعول لانعكس المعنى، فلو قال إنما يخشى العلماء الله، لكان تقديره ما خشي العلماء إلا الله، وعلى هذا يكون الحصر في المخشّى لا في الخاشى ويفيد أن المخشى هو الله دون غيره، وعند هذا لا يمتنع أن يشارك العلماء غيرهم في خشية الله، فعلى المعنى الأول الخشية محصورة في العلماء، وعلى المعنى الثاني الله المخشى دون غيره، ومع هذا يكون مخشيا للعلماء ولغيرهم، وسرّ التفرقة بين المعنيين إنما يحصل من جهة ما ذكرناه من انحصار الفاعل، والمفعول بعد «إلا» كما قررناه، وإنما كان الحصر مختصا بإلا، ولم يكن حاصلا قبلها؛ لأن الحصر من أثر «إلّا» وأثر الحرف لا يحصل إلا بعده، ولا يكون حاصلا قبله، الوجه الثاني الحصر في الصفات، أما حصر الأسماء عليها، فكقولك: ما زيد إلا قائما، فإنك نفيت أن يكون زيد على صفة من الصفات إلا صفة القيام، وأما حصرها على الأسماء فكقولك: ما قائم إلا زيد فإنك نفيت أن يكون القيام لأحد إلا لزيد، فالحصر إنما يتناول ما بعد «إلا» كما قررناه، فعلى هذا يكون اعتبار المسائل في الأسماء والصفات في الحصر، فإن قال قائل هل يكون قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ}[الأنعام: ١٠٠] من باب التقديم والتأخير، أو يكون من باب الحصر، فإن كان من باب الحصر فليس هنا ما يوجب الحصر ويقتضيه من الأحرف التي تدل عليه، وإن جعلتموه من باب التقديم والتأخير، فأظهروا التفرقة بين المعاني في التقديم والتأخير، والجواب أما الحصر فلا مدخل له هاهنا، لفقد ما يكون دالا على الحصر من أحرف المعاني وهي، إنما، وما، وإلا، وإذا بطل أن تكون الآية من باب الحصر وجب جعلها من باب التقديم والتأخير، وعلى هذا يكون لها في الإعراب تفسيران، ويكون المعنى فيها تابعا للإعراب كما نوضحه.
  التفسير الأول أن يكون الجعل من باب التصيير كقوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً