الباب الثاني في ذكر الدلائل الإفرادية وبيان حقائقها
  باب التقديم والتأخير، فقس على هذا ما يرد عليك من أسرار النظم، فإن تحته أسرارا جمة، ونكتا غزيرة، تنبهك على كثير من الفوائد، وتطلعك على المناظم والمعاقد، هذا إذا لحظت من الله بتوفيق، يهدى إلى كل طريق من الخير والتحقيق.
  الصورة السابعة بيان فوائد [«إنّ»]
  وجملتها أربع الفائدة الأولى أنها كما أشرنا إليه تربط الجملة الثانية بالأولى، وبسببها يحصل التأليف بينهما، حتى كأن الكلامين قد أفرغا إفراغا واحدا، ولو أسقطتها ظهر التنافر بينهما وبطلت الملاءمة، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ ٥١}[الدخان: ٥١] بعد قوله: {إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ٥٠}[الدخان: ٥٠] فلو قال: فالمتقون في مقام أمين، كان من حسن النظام بمعزل.
  الفائدة الثانية أن لضمير الشأن والقصة معها من حسن الموقع، وجودة النظام، ورشاقة التأليف، ما لا يمكن وصفه، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ}[يوسف: ٩٠] وقوله تعالى: {أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[التوبة: ٦٣] وقوله تعالى: {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ}[الأنعام: ٥٤] وقوله تعالى: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ١١٧}[المؤمنون: ١١٧].
  الفائدة الثالثة أنها تهيئ النكرة وتجعلها صالحة لأن يحدّث عنها وهذا كقوله(١):
  إنّ دهرا يضمّ شملي بسعدى ... لزمان، يهمّ بالإحسان
  وكقوله(٢):
  إنّ شواء ونشوة ... وخبب البازل الأمون
  وسر ذلك هو أنها لما كانت موضوعة لتأكيد الجملة الابتدائية لا جرم اغتفر دخولها على النكرات وهيئاتها للحديث عنها كما ذكرناه.
(١) البيت لحسان بن ثابت في أساس البلاغة (لفف)، ولم أقع عليه في ديوانه، وهو بلا نسبة في لسان العرب (دهر)، وتهذيب اللغة ٦/ ١٩٢، وتاج العروس (دهر).
(٢) البيت بلا نسبة في لسان العرب (دمى).