الباب الرابع من فن المقاصد في ذكر أنواع علم البديع وبيان أقسامه
  إيراد المهم منها، فهي كفاية وبالله التوفيق، ثم إنه يأتي على أوجه ثلاثة، الوجه الأول أن تكون السرقة مقصورة على المعنى لا غير، من غير إيراد لفظ ما سرق منه، وهذا من أدق السرقات مسلكا وأحسنها صورة، وأعجبها مساقا، ومثاله قول بعض أهل الحماسة:
  لقد زادنى حبا لنفسي أنّنى ... بغيض إلى كلّ امرئ غير طائل(١)
  فقد أخذ المتنبي هذا المعنى واستخرج منه ما يشبهه من جهة معناه، ولم يورد شيئا من ألفاظه ولكنه عول فيه على المعنى وقصره عليه:
  وإذا أتتك مذمّتى من ناقص ... فهي الشهادة لي بأنّى كامل(٢)
  فمن كثر عراكه للأشعار، وممارسته لها فإنه لا يغرب عن فهمه أن ما ذكره المتنبي مأخوذ معناه من بيت الحماسة، فصاحب الحماسة يقول إن نقص الدنئ إياي مما يزيد نفسي حبا عندي لكون الذي نقصها لا فضل له، فيعرف فضلى، والمتنبي يقول إنّ ذم الناقص إياي شاهد بفضلى، فذم الناقص له مثل نقص الذي هو غير طائل فهما متفقان من جهة المعنى.
  الوجه الثاني: أن تكون السرقة بأخذ المعنى وشيء يسير من اللفظ، فمن ذلك ما قاله حسان بن ثابت يصف الرسول ÷ ويمدحه:
  ما إن مدحت محمّدا بمقالتى ... لكن مدحت مقالتي بمحمّد(٣)
  فأخذه أبو تمام فأكمل معناه، واسترق شيئا من لفظه على القلة قال:
  ولم أمدحك تفخيما لشعرى ... ولكنّى مدحت بك المديحا(٤)
  فانظر إلى تكريرهما لفظ المدح في البيتين من غير زيادة، وكذلك قول ابن الرومي:
  وما لي عزاء عن شبابي علمته ... سوى أنّنى من بعده لا أخلّد
  استرقه من بيت لمنصور النمري قال فيه:
  قد كدت أقضى على فوت الشباب أسى ... لولا تعزّىّ أنّ العيش منقطع
  وهكذا قول أبى تمام يمدح رجلا بالجود والسخاء والكرم:
  وإذا المجد كان عوني على المر ... ء تقاضيته بترك التقاضى
  استرقه منه ابن الرومي بأحسن استراق في أخذ معناه قال:
(١) انظر الإيضاح ص ٣٥٦.
(٢) انظر الإيضاح ص ٣٥٦.
(٣) البيت بلا نسبة في تاج العروس ١٦/ ٢٤١ (عدرس)
(٤) انظر ديوانه ص ٧٤.