الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الفصل الأول في بيان فصاحة القرآن

صفحة 213 - الجزء 3

  وجوابه: أنا نقول قد تقرر في القضايا بالعقلية، وثبت بالأدلة القطعية، أن القادر متى توفرت دواعيه على الفعل، ولم يكن هناك مانع فإنه يجب وقوعه، ومتى خلص الصارف فإنه يتعذر وقوعه، وهذا معلوم بأوائل العقول لا شك فيه.

  قوله: إذا وجب الفعل عند الداعية، وجب الجبر، وهو فاسد.

  قلنا: هذا خطأ، فإن الوجوب له معنيان، أحدهما أن الفعل واجب على معنى أن عدمه مستحيل، وهذا هو الذي يبطل الاختيار، ونحن لا نعتقده، وثانيهما أن يكون الغرض بالوجوب هو أولوية الوقوع والحصول، لا على معنى أنه يستحيل خلافه، ولكن على معنى أنه أحق بالوجود عند تحقق الداعية، هذا ملخص ما قاله الشيخ محمود الخوارزمي الملاحمى في تفسير الوجوب، لئلا يبطل الاختيار، والمختار أن الفعل عند تحقق الداعية وخلوصها، واجب الحصول على معنى أنه يستحيل خلافه بالإضافة إلى الداعية، وواجب الحصول وجوبا لا يستحيل خلافه بالإضافة إلى القدرة، ومع هذا التوجيه لا يبطل الاختيار، وعلى كلا الوجهين، فإنا نعلم توفر دواعيهم إلى تحصيل المعارضة، وأنه يجب وقوعها وحصولها منهم إذا كانت ممكنة، فلما لم تقع مع توفر الداعي دل على أن الوجه في تأخرها عدم الإمكان لا محالة.

  السؤال السابع: سلمنا توفر دواعيهم إلى المعارضة وأنها واجبة الوقوع عند توفر الدواعي إليها، ولكنا لا نسلم أنها غير واقعة فما برهانكم على ذلك.

  وجوابه من أوجه أربعة: أما أولا: فلأن ما هذا حاله لا يخفى وقوعه لو وقع كسائر الأمور العظيمة التي لا تخفى، بل نقول إن هذه المعارضة يجب أن تكون أكثر اشتهارا من القرآن، لأن القرآن يصير هو الشبهة، وهذه المعارضة هي الدلالة فتكون أحق بالاشتهار لما ذكرناه، وأما ثانيا: فلأن غير القرآن من القصائد في الجاهلية والإسلام لم يخف حاله، وأنه ظاهر، فكيف حال ما يكون معارضا للقرآن وهو بالاشتهار لا محالة أحق، وأما ثالثا: فلأن خرافات «مسيلمة» قد نقلت مع ركتها وضعف حالها وقدرها، وقد اهتم العلماء في نقلها، فكيف حال ما هو أدخل منها في التحقق، وأما رابعا فلأن حرص المخالفين على نقل هذه المعارضة شديد، كاليهود والنصارى، وسائر الملل الكفرية، من الملاحدة وغيرهم، لما فيه من التنويه بإبطال أمره ÷، فلا جرم يزداد الحرص وتعظم الدواعي، لأن فيها إبطال أمره على سهولة بوقوع هذه المعارضة.