الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الفصل الأول في بيان فصاحة القرآن

صفحة 252 - الجزء 3

  أن الصحابة ¤ اختلفوا في كتبه في المصاحف اختلافا شديدا، وزيف كل واحد منهم مصحف الآخر وأنكره، وفي هذا دلالة على أنهم على غير حقيقة في نقله، وعلى غير ثقة من أمره، فاشتهر أن عثمان حرق مصحف عبد الله بن مسعود في خلافته، وقال ابن مسعود: لو تملكت كما ملكوا لصنعت بمصحفهم مثل ما صنعوا، وكان ابن مسعود يطعن في زيد بن ثابت ويذمه، حتى قال: إنه قرأ القرآن وإنه لفى صلب كافر، يعنى «زيدا» وروى ابن عمر أن عمر وضع القرآن في مصحف وهو المصحف الذي كان عند «حفصة» وهو الذي أرسل مروان، وهو وإلى المدينة إلى عبد الله بن عمر يوم ماتت «حفصة» يطلب ذلك المصحف منه، فبعث ابن عمر به إليه، فأمر بإحراقه مخافة الاختلاف، فما ذكرناه دال على تفرقهم فيه، واختلافهم في حاله، وأنه غير متواتر النقل ولا مقطوع بأصله.

  والجواب أن المصاحف المشهورة ثلاثة، مصحف ابن مسعود، ومصحف أبي بن كعب، ومصحف زيد بن ثابت فأما ابن مسعود فإنه قرأ القرآن بمكة، وعرضه على الرسول ÷ هناك، وأما أبي بن كعب، فإنه قرأه بعد الهجرة وعرضه على الرسول ÷ في ذلك الوقت، وأما زيد بن ثابت فإنه قرأه على الرسول ÷ بعدهما وكان عرضه على الرسول ÷ متأخرا عن الكل، وكان آخر العرض قراءة زيد، وبها كان يقرأ رسول اللّه ÷، وبها كان يصلى إلى أن انتقل إلى جوار رحمة الله تعالى، ومن المعلوم أنه كان يقرأ الآية الواحدة في الصلاة بالأحرف المختلفة، فلما كان الأمر كما قلناه: اختار المسلمون ما كان آخرا، وكان ذلك اختيار رسول اللّه ÷، واختيار الله له، فلما كان ابن مسعود أقدم الثلاثة كان السامعون لحرف عبد الله أقل من السامعين لحرف أبي بن كعب، والسامعون لحرف أبى أقل من السامعين لحرف زيد، ولا شك أن الحرف الواحد كلما كان أكثر استفاضة كان أحق بالقبول، فلأجل ذلك اتفقوا على حرف زيد لما ذكرناه، ثم إن سائر الحروف وإن كانت صحيحة، خلا أنهم خافوا من وقوع الاختلاف في الروايات للقرآن، ويخرج القرآن عن أن يكون منقولا بالتواتر، فرأوا بعد ذلك أن الأصوب حمل الناس على ذلك الحرف، ومنعهم عن القراءة بسائر الأحرف لئلا يكون القرآن في محل الخلاف، ثم إن بعضهم رأى قراءة القرآن بسائر الأحرف وهي القراءات الشاذة، ولا مضرة فيه، ومنهم من منع من ذلك، فلأجل ذلك تكلم بعضهم في مصحف الآخر، وذلك مما لا