تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 149 - الجزء 1

  قصص الأنبياء وأنهم دعوا الأمم إلى معرفة اللّه تعالى وخوّفوهم عذابه وأن نوحا قال لقومه {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ان لم تعبدوه وانهم قالوا له إنّك في ضلال مبين وأنه قال لهم {لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} وهذه الجملة يعرف بها رفق الأنبياء وحسن دعائهم إلى الدين وانهم بدءوا بالدعاء إلى معرفة اللّه وعبادته وأنهم نزهوا أنفسهم عن الطمع في هذه الحياة وفيها إذا تأملها المرء ما يعتبر به ويعرف آداب الأنبياء صلّى اللّه عليهم وسلم في الدعاء إلى الدين وصبرهم على ما نالهم من الأمم فيقتدى بهم.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى في قصة صالح {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} ثمّ قال {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي} كيف يجوز أن يقول لهم ذلك وقد هلكوا بأخذ الرجفة لهم. وجوابنا أن في ذلك تقديما وتأخيرا ومثل ذلك يكثر في الكلام.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ} ثمّ قال تعالى {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً} كيف يصح ذلك ومعلوم أنه لغير المؤمنين أيضا وجوابنا أنه أراد بقوله {الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ} قد نبه على أن ذلك لكل العباد فمراده أخيرا هو أنها للمؤمنين في الحال وفي العاقبة ولذلك قال {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ} فان من نال شهوته عاجلا وعاقبته النار لا يعد ما ناله نعمة عليه وقيل إن المراد بذلك ما حرموه من البحيرة والسائبة فبين انها من الطيبات للمؤمنين من حيث عرفوا أنها من رزق اللّه تعالى.