تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 322 - الجزء 1

  ولذلك قال تعالى بعده {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} وقوله تعالى من بعد {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} يدل على أنه من فعله والا كانت اضافته إلى خالقه أولى وقوله تعالى {وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} يوجب أن ذلك من فعلهم أيضا وقوله تعالى من بعد {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ} يدل أيضا على ذلك لان المجازاة من اللّه تعالى على نفس ما خلق لا تصح وقوله تعالى من بعد {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} يدل أيضا على ذلك لأن الكفر إن كان من خلقه فقد أراده وأحبه وإذا أراده فقد أحب الكافر إذ محبة الكافر هو محبة كفره وقوله تعالى من بعد {فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} يدل على أن الجرم من قبلهم وقوله تعالى من بعد {وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} يدل على أن ايمانهم من قبلهم إذ لو كان خلقا من اللّه لكان ناصرا لنفسه وذلك محال وقوله تعالى من بعد {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى} هو على وجه المبالغة لتركهم القبول والتفكر وكذلك قوله {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ} ولذلك قال تعالى بعده {إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} ولو أراد حقيقة الصم لكان حالهم في الاقبال كحالهم في الادبار ولذلك قال تعالى بعده {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا} فأما قوله ø {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} والضعف عرض لا يصح أن يخلق الجسم منه فالمراد المبالغة في ضعفه وهو على ما هو عليه وبيّن ان آخر أمره أن لا ينتظر له قوة بعد ضعف وبقوله تعالى {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} وكل ذلك تحريك لهم على التدارك إلى التوبة خصوصا وقد أدرك حال الشيبة.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ} كيف يصح أن يخبروا بذلك ويقسموا عليه وهو كذب وعندكم أنهم في الآخرة هم ملجئون