تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 30 - الجزء 1

  والسحر لا خير فيه. وجوابنا ان قوله {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا} يدل على أن الايمان باختيارهم يقع وانهم إذا لم يؤمنوا فهم مقصرون بخلاف من يقول إنه تعالى يخلق ذلك فيهم ورغب بذلك في الايمان والتقوى ومعنى قوله في المثوبة انها خير أي أن ما يؤدي إليها أولى أن يتمسك به وهذا كقوله تعالى {قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} وإنما أراد ان جنة الخلد هو الخير دون النار.

[مسألة]

  يقال ما معنى قوله تعالى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا} ومعنا هما واحد فكيف يصح الامر بكلمة والنهي عن الأخرى والفائدة لا تختلف. وجوابنا ان المنقول في الخبر ان اليهود كانت تقول للنبي {راعِنا} بكسر العين وتقصد الهزء وقوله تعالى {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ} يدل على ذلك فأمر اللّه تعالى بالعدول عنه إلى نظيره وهو قوله (انظرنا) وفي ذلك دلالة على وجوب تجنب الكلمة إذا أوهمت الخطأ وقوله تعالى في آخر الآية {وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ} يدل على ما قلناه من أنهم قصدوا أمرا مذموما في راعنا فلذلك نقل اللّه تعالى المؤمنين عنها إلى قوله (انظرنا).

[مسألة]

  وقالوا كيف يجوز أن ينسخ تعالى شيئا بشيء كما قال {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها} وهل يدل ذلك على أن لآية لا تنسخ الا بآية. وجوابنا انه يتعبد المكلف في كل وقت بما هو مصلحة له وإذا كان في زمن الوحي ربما يكون الصلاح انتظار نقل المكلف من عبادة إلى عبادة فعلى هذا الوجه ينسخ تعالى العبادة بغيرها كما يفعل تعالى البرد بعد الحر والليل بعد النهار وقوله {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها} أي بما هو أصلح من الأولى ولا فرق بين أن يعلمنا ذلك بقرآن أو بوحي إلى الرسول