تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 160 - الجزء 1

  ذكر نفسه وأراد غيره على مثال قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} لأنه قد ثبت أن خيانة الكافر للغير إنما تكون بإرادة السوء والمضار وذلك لا يجوز على اللّه تعالى وذلك قوله تعالى {وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ} لكنه من المجاز الحسن الموقع لأن الأمانة لا تسلم إذا تخللها الخيانة.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} كيف يصح ان ينفي ذلك أوّلا ثمّ يثبته آخرا. وجوابنا أنه تعالى نفى ذلك بشرط وأثبته مع فقد ذلك الشرط وذلك متفق وقد قيل إنه نفى بالاوّل عذاب الاستئصال وأثبت ثانيا عذاب الآخرة.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا} أليس ذلك يدل على أن كل فعل يقع بقضاء اللّه. وجوابنا ان الآية نزلت في وقعة بدر وانه اتفق لهم ما لم يظنوه من الجهاد والظفر وذلك لا شبهة في أنه من قضاء اللّه كقوله تعالى {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} وقد يقال في كل معقول انه من قضاء اللّه على وجه الاعلام والأخبار إما مجملا واما مفصلا وقوله تعالى من بعد {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ} يدل على أن العبد الفاعل المختار وأنه بعد البينة اختار ما يؤديه إلى الهلاك ولو كان اللّه تعالى هو الخالق لذلك فيه لكان وجود البينة كعدمها.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} قد أضاف موافقة بعضهم لبعض إلى نفسه وذلك بخلاف قولكم.

  وجوابنا ان الأسباب التي بها يؤتلف كانت من قبله تعالى فأضاف اليه الائتلاف وهذا كما تضيف إلى اللّه تعالى الرزق وان كان المرء يسعى في الاكتاب وأراد تعالى اعظام المنة على رسوله بما سهله من تألف القوم على طاعته وموافقته