تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 436 - الجزء 1

سورة نوح

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} ثمّ قال بعده {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ} وهذا متناقض؟ وجوابنا أنه لا تناقض في ذلك، لأن ذلك الأجل المقدّر الذي ضمنه إذا عبد اللّه تعالى وأطيع لا يتأخر وهذا الأجل عندنا مقدّر غير محقق لأنهم إذا لم يعبدوه فأجلهم هو المكتوب ولا تأثير يقع فيه. فان قيل فكيف قال تعالى {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} ومن عبد اللّه واتقاه استحق غفران كلّ ذنوبه؟ وجوابنا أن من قد تدخل زائدة كما تدخل للتبعيض وهي هاهنا زائدة ويحتمل أنه يريد ان الغفران يكون في هذا الجنس كما يقال باب من حديد وقوله تعالى من بعد {قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً} المراد به تشدد القوم في الانكار والجحود والنفور من قبول الحق ولذلك قال تعالى {وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ}.

[مسألة]

  وربما تعلقت المشبهة بقوله تعالى {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً}؟ وجوابنا في ذلك أن المراد ما لكم لا تعظمونه حق عظمته إذ الوقار الذي يظهر في الأجسام يستحيل عليه تعالى ولذلك قال تعالى بعده {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً} فالمراد ما يتعلق بخلقه من شكر عباده.