تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 43 - الجزء 1

  [مسألة] ويقال كيف يجوز أن يقول تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} وما كتبه اللّه علينا لا يجوز أن يكره لأنه من مصالحنا. وجوابنا أن المرء تنفر نفسه عن ذلك لما فيه من المشقة وليس المراد انه يكره ذلك كيف يصح هذا وقد أوجب اللّه تعالى أن يعزم عليه وأن يراد وكذلك معنى قوله {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} والمراد به كراهة المشقة والنفار والمراد بقوله {وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} محبة الميل والشهوة وقوله من بعد {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} يبين صحة ما ذكرناه وهو أنه عالم بالمصالح وبما يؤدي اليه ما يشق من المنافع وبما يؤدي اليه ما يتلذذ به من المضار.

[مسألة]

  وقيل كيف يقول تعالى إن في الخمر والميسر منافع للناس مع الإثم العظيم وجوابنا انه لا يمتنع أن يحصل في شربه منافع ترجع إلى مصالح البدن فاما ان يراد به منافع الآخرة فالذي بينه من أن الاثم في شربه أكثر من نفعه يبطل ذلك وهذه الآية من أقوى ما يدل على تحريم الخمر لان اثم شربها إذا كان كبيرا فيجب أن تكون محرمة ومعنى قوله {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ} يدل على إباحة خلط أموالهم بأموالنا واستعمال الاجتهاد فيما يكثر منها ويحصل فيه النماء وكان ذلك في أول الاسلام ثمّ نسخ بأن ينظر في أموالهم متميزة من أموالنا وتطلب لهم فيها المنفعة.

[مسألة]

  وقيل كيف قال تعالى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} ثمّ قال بعد ذلك {أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} وكذلك الفساق ربما دعوا إلى النار ويحل نكاح نسائهم. وجوابنا ان الكفار قبل قوة الاسلام في حال غلبتهم كان اللّه تعالى حرم نكاح نسائهم لهذه العلة ثمّ أباح نكاح الكتابيات وقد قوي الاسلام وذلوا بأداء الجزية فخرجوا من أن يكون