[مسألة]
  الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ} وهذا الجنس من التشبيه يبلغ من الفصاحة ما لا تبلغه حقائق الكلام ولذلك قال تعالى {يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ} فبين أنه يعبد الأصنام وبيّن أن ضرر ذلك أقرب من نفعه وكل ذلك يحقق أن العبادة من فعل العبد وقوله تعالى {مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ} يدل على أن العبد هو الفاعل لأنه إذا خلق فيه كل أفعاله فأيّ فائدة في النصرة.
[مسألة]
  وربما قيل في قوله تعالى {وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} ان ذلك يدل على أنه يهدي قوما دون قوم بخلاف قولكم ان الهدى عام.
  وجوابنا ان المراد يكلف من يريد لأن في الناس من لا يبلغه حد التكليف أو يحتمل ان يريد الهداية إلى الثواب لأنها خاصة في المطيعين دون العصاة ورغّب تعالى المؤمن في تحمل المشاق واحتمال ما يناله من المبطلين بقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} فبيّن حسن عاقبة المؤمن عند الفضل ليكون في الدنيا وإن لحقه الذل صابرا وعلى هذا الوجه قال ﷺ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
[مسألة]
  وربما قيل في قوله تعالى {أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} كيف يصح السجود من هذه الأمور أكثرها جمادات؟ وجوابنا ان المراد بهذا السجود الخضوع فالمراد بذلك أنه تعالى يصرفها في الأمور ولا مانع ولأجل ذلك لما ذكر الذي للمكلفين خص ولم يعم فقال تعالى {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} لان فيهم من ينقاد فيطيع وفيهم خلافه ويحتمل أن يراد بالسجود دلالتها على تنزيه اللّه تعالى فلما لم يصحّ فيها السجود أريد ذلك ولما صح ذلك في الناس أريدت