تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 266 - الجزء 1

  حكم به داود كان حقا في وقته وفهم سليمان نسخ ذلك فلا يدل على مناقضة في الكلام.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} كيف يصح التسبيح من الجبال والطير وما معنى قوله بعد ذلك {وَكُنَّا فاعِلِينَ} وقد أفهم ذلك بقوله {وَسَخَّرْنا

  وجوابنا أن تسبيح الجبال هو ما يظهر من دلالتها على أنه تعالى منزه عمّا لا يجوز عليه كما ذكرنا في قوله جل وعز {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} إلى غير ذلك فلما سخر ذلك لداود على خلاف المعتاد فكان يتصرف فيه كما يريد جاز أن يقول {يُسَبِّحْنَ} بظهور أمر معجز فيها وفي الطير فهذا معنى الكلام وأما معنى قوله {وَكُنَّا فاعِلِينَ} فهو إخبار عن طريقه جل وعز في فعل مثل ذلك فلذلك أتبعه بما أظهره عليه وعلى سليمان من العجائب وبما أظهره على أيوب وسائر الأنبياء À وبين تعالى بعد ما اقتصه من أخبارهم وما أظهره من العجائب فيهم عظم منزلتهم فقال تعالى {إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ} فبعث بذلك على التمسك بمثل هذه الطريقة ولذلك قال تعالى بعده {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} فبعث بكل ما تقدم على إخلاص العبادة له ونبه على عظيم المجازاة في العبادة بقوله {كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ} فبين أنه يجازي على سائر ما فعل ثمّ بين من بعد أشراط الساعة بقوله {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} وبين كيف ينزل بهم أنواع الخيرات إذا عاينوا العذاب فأما قوله تعالى {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} فالمراد به الأصنام والأوثان ولا يدخل في ذلك المسيح كما ظنه بعض من لا يعرف وذلك محكي عن بعض المتقدمين بيّن ذلك أنه قال