تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 201 - الجزء 1

[مسألة]

  ومتى قيل فما معنى قوله تعالى {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} وكيف يصح التسبيح من الرعد. وجوابنا ان المراد دلالة الرعد وتلك الأصوات الهائلة على قدرته وعلى تنزيهه وذلك كقوله تعالى {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لدلالة الكل على أنه منزه عما لا يليق ولذلك قال {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} ففضل بين الامرين وقوله بعد {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} معناه يخضع فالمكلف العارف باللّه يخضع طوعا وغيره يخضع كرها لأنا نعلم أن نفس السجود لا يقع من كل واحد.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ألا يدل ذلك على أنه الفاعل لكل شيء وعلى أن العبد لا يفعل والا كان يتشابه فعله بفعل اللّه. وجوابنا ان قوله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ} زجر للعاصي والكافر بان شبهه بالأعمى وترغيب للمؤمن بأن شبهه بالبصير ونبه بقوله {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ} على أن عبّاد الأصنام بمنزلة العميان في عبادتهم لها مع أنها لا تنفع ولا تضر فهو معنى قوله {خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} ثمّ بين انه الخالق للنعم التي يستوجب عندها العبادة فلا تليق العبادة الا به ولا مدخل لافعال العباد في ذلك وقد بينا من قيل وجوها في أن قوله تعالى {خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} لا يدل الا على أن المقدر من هذه الأجسام والنعم من قبله فلا وجه لا يراد ذلك وبيّن تعالى ما أراده بقوله من بعد {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها} فدل بذلك على مراده وقال بعده {كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ} ثمّ قال بعده {كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ