تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 38 - الجزء 1

  المعلوم لا يكون الا بحسب العلم فذكر العلم يدل على حال المعلوم وذلك كقوله تعالى {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ} والمراد حتى يجاهدوا ونحن بذلك عالمون وقد قيل إنه تعالى ذكر نفسه وأراد رسوله كقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} والمراد يؤذون أنبياءه وكأنه قال الا ليعلم الرسول من يتبعه.

[مسألة]

  وسألوا عن قوله {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} فقالوا كأنه قال أفيضوا أيها الناس من حيث أفاض الناس وذلك لا يفيد.

  وجوابنا انهم قبل الاسلام كانوا يقفون بمزدلفة وبعضهم كان يقف بعرفة فأمروا في الاسلام أن يقفوا بعرفة ثمّ يفيضوا منها إلى المزدلفة وجعل ذلك شرعا وقال بعضهم أراد بقوله من حيث أفاض الناس أي إبراهيم ومن يتبعه لأنه في الحج أمر في أكثره باتباع طريقة إبراهيم .

[مسألة]

  قالوا وقال تعالى {فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} ثمّ قال {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا} وليس لذلك تعلق بالأول فما الفائدة في ذلك. وجوابنا ان المراد فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم بأن تسألوه مصالحكم في الدين والدنيا ولذلك قال {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} فكأنه قال اذكروا اللّه في امر دينكم ودنياكم كما أن هؤلاء الناس يقولون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وضرب اللّه تعالى المثل بالآباء لان المعتاد ان المرء ينشأ على محبتهم وذكرهم والا فنعم اللّه تعالى أعظم من ذلك فذكرهم اللّه يجب أن يكون أكثر من ذكرهم لآبائهم.

[مسألة]

  قالوا في قوله {الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} كيف يصح الرجوع إلى اللّه وليس هو في