تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 68 - الجزء 1

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} كيف يجوز ان يخلقه ثمّ يقول {كُنْ فَيَكُونُ} وقد تقدم خلقه له وذلك يتناقض. وجوابنا ان المراد خلق آدم من تراب ثمّ قال له كن حيّا وعلى سائر الصفات فالذي كونه من حياته وغيرها هو غير الذي خلقه من قبل. وكذلك القول في عيسى أنه خلق الصورة ثمّ قال له كن على هذا المثال هذا متى حمل قوله كن على الحقيقة فاما إذا أريد بذلك أنه كوّنه حيّا بعد ان خلق الشخص فلا تناقض في ذلك وانما بيّن تعالى بأنه مثل آدم أنه مخلوق لا من شيء متقدم يجري مجرى الأصل له كالنطفة والعلقة لتعرف قدرته على ابتدائه وليعلم أصحاب الطبائع بطلان قولهم فقد كان في ذلك الزمان فيهم كثرة.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ} كيف ترفع محاجة النصارى في عيسى إذ قالوا إنه اللّه وانه ابن اللّه ومحاجة اليهود إذ كذّبوا بولادته من غير ذكر بالمباهلة التي ذكرها اللّه. وجوابنا ان الحجة في ابطال قولهم إذا ظهرت ولم يقع القبول وعلم اللّه تعالى ان في المباهلة مصلحة لم يمنع ذلك ومعلوم ان عند المباهلة والملاعنة يخاف المبطل فربما يكون ذلك من أسباب تركه الباطل إما ظاهرا واما باطنا ولذلك قال تعالى بعده {إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} لان ما ينذر ويخوف يوصف بذلك ثمّ قال {وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ} دفعا لقول النصارى في باب التثليث ثمّ قال {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} ثمّ قال تعالى {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً} دفعا لقول النصارى ثمّ قال {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ثمّ بيّن بطلان قولهم ان إبراهيم كان على ملتهم بقوله {لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ