تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 363 - الجزء 1

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} انه يدل على أن الاسلام من قبله تعالى. وجوابنا ان شرح الصدر بالاسلام غير الاسلام فلا يدل على ما قالوه وانما المراد بذلك أنه تعالى يورد عليه من الطاقة ما يدعوه إلى الثبات على الاسلام كما ذكرنا في قوله {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} وقوله {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} وهو القرآن فيدل على أنه محدث من حيث أنزله ومن حيث سماه حديثا ومن حيث وصفه بأنه متشابه وما هو قديم لا يصح ذلك فيه وقوله {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} يدل أيضا على حدوثه وقوله {ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ} يدل أيضا على ذلك وقوله {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ} المراد من يضلل اللّه عن طريق الجنة إلى النار كما قدمناه من قبل وقوله {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} يدل على حدوثه وعلى أنه حدث بعد لغة العرب ليصح أن يوصف بأنه عربي وقوله {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} لا يدل على ما قالوه لان المراد ومن يضلل عن طريق الجنة إلى النار فما له من هاد إليها ومن يهده إلى الجنة فما له مضل على ما تقدم ذكره وقوله من بعد {فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها} يدل على ما قدمنا ذكره من أن الاهتداء يضاف إلى اللّه تعالى دون الضلال وان كانا جميعا من فعل العبد.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} انه يدل على أنه لا مؤمن الا ويغفر له اللّه تعالى وان ارتكب الكبائر.

  وجوابنا ان المراد انه يغفر ذلك بالتوبة بدلالة قوله {وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ} والآية في الكفار وردت فلا شبهة في أنهم من أهل النار ويدل على ذلك قوله {وَأَسْلِمُوا لَهُ