[مسألة]
  كقوله تعالى {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وقوله تعالى من بعد {ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} يجري هذا المجرى لأنه تعالى لا يدعوهم في الحقيقة لكنه يجيبهم ويكمل عقولهم ويمكنهم فيخرجون ويرجعون إلى اللّه تعالى بمعنى إلى حيث لا حاكم سواه وقوله تعالى من بعد {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ربما قالوا فيه ان ذلك يدل على جواز الضعف عليه. وجوابنا انه بمعنى هيّن كما إذا قلنا في اللّه انه أكبر وأعظم فالمراد به كبير عظيم وكما قال الشاعر:
  إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول
  والمعنى أنه عزيز طويل.
[مسألة]
  وربما قيل في قوله تعالى {ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} كيف يصح ظهور الفساد لأجل كسبهم؟ وجوابنا أنهم إذا أفسدوا في الأرض وظلموا ومنعوا الحقوق يظهر بذلك الفساد في الموضعين وإذا قلت النعم من جهة اللّه تعالى لأجل ذلك كان ردعا لهم عن أمثال ما فعلوا وبذلك قال تعالى {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ولا يمتنع أن يكون الصلاح عند كسبهم أن يقع من اللّه تعالى التضييق في المعيشة على وجه الاعتبار كما فعله تعالى بأمم الأنبياء من إنزال العقاب بهم ولذلك قال تعالى بعده {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} فبيّن ما نالهم لأجل شركهم وقوله من بعد {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} هو خطاب للكل وإن كان لفظه خاصا والمراد بالوجه نفس الانسان فكأنه قال فأقم نفسك للدين القيم حتى لا تحول عنه ولا تزول فلا تأمن في كل وقت من الاخترام فإذا ثبت على الاستقامة كنت من الفائزين تنزيه القرآن (٢١)