تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 262 - الجزء 1

  بالشر فالمراد به في هذه الآية الميثاق والآلام وأنه تعالى يبلو المكلّف بذلك كما يبلوه بالخير وينزل به المصائب والأمراض كما يعاقبه وبين أن حال الدنيا ليست كحال الآخرة التي لا يتغير ما بأهلها أما عقاب يدوم وإما ثواب خالص يتّصل بهم ولو كان الشر من قبل اللّه تعالى لوجب أن يوصف بأنه شرير إذا أكثر منهم وعندهم لا شر إلا من قبل اللّه واللّه تعالى عن قولهم علوا كبيرا وقوله تعالى {وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} يدل على أن المراد ما قدمناه وأنه يجازيهم على ما ابتلاهم به عند رجوعهم اليه والمراد بقوله {وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه لأنّ في دار الدنيا قد فوض تعالى هذه الأمور إلى غيره وفي الآخرة لا حاكم سواه وهذا كما إذا تنازع الخصمان فإنهما يقولان يرجع أمرنا إلى فلان والمراد هو الذي يفصل في ذلك ويحكم فلا دلالة للمشبهة في شيء من ذلك.

[مسألة]

  وربما قيل ما معنى قوله جل وعز {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} ومعلوم أنه ليس بمخلوق من ذلك بل لا يصح ذلك فيه. وجوابنا أن ذلك من الكلام الفصيح في الانكار والتبكيت فمن يكثر غضبه يقال له كأنك خلقت من الغضب ومن يكثر نسيانه يقال فيه ذلك فنبه تعالى على أن الواجب على المرء التوقف والتثبت وتأمل ما يلزمه من الأدلة وغيرها فلذلك قال بعده {سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} وقال تعالى {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} يستعجلون لأنفسهم العذاب جهلا منهم كما قال تعالى {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} ولذلك قال تعالى بعده {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} ثمّ أنه تعالى عزّى رسوله في اختلافهم عليه وفي عنادهم فقال