تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 229 - الجزء 1

  ما يقتضي ذلك من الحسرة فيما بعد فقال {فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} ثمّ بين تكفله تعالى بالرزق فقال {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} يعني بحسب المصالح وبعث النبي على تدبر هذه الآيات بقوله تعالى من بعد {ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} والمرء يلزمه أن ينظر ويتدبر في وصية اللّه للصالحين.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} كيف يصح ذلك من الجمادات. وجوابنا أن من تدبر ذلك عرف المراد فإنه تعالى قال من قبل {سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً} يعني اتخاذ قوم لآلهة سواه ثمّ أتبعه بذكر الدلائل على التوحيد فقال {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ} يعني انها تدل على توحيده وتنزيهه عن الأشباه فالمراد بتسبيح السماوات والأرض ومن فيهن ما ذكرناه لا أن المراد به القول الذي يسمّى تسبيحا لأن دلالة هذه الأمور على توحيد اللّه تعالى أوكد من دلالة القول فهذا معناه وكذلك قوله تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} يجب أن يحمل على ما ذكرناه لأنه لا شيء إلا وله حظ في الدلالة على توحيد اللّه وكذلك قال تعالى {وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} لأن ذلك إنما يعرفه من ينظر ويتدبر ومن هذا حاله قليل في الناس.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً} كيف يصح أن يمنعهم من سماع القرآن الذي فيه الشفاء والبيان. وجوابنا ان المراد بذلك من المعلوم انه لا ينتفع بل يظهر منه الأذى للرسول ولذلك قال تعالى {أَكِنَّةً} والمراد انهم لشدة انصرافهم عن الانتفاع به صار قلبهم بهذا الوصف وصاروا كالصم ولذلك قال تعالى {وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ