تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 29 - الجزء 1

  في الحقيقة فاما السحر الذي يصح وقوعه فهو ما لم يلطف من هذه الأفعال التي تجري مجرى الحيل فالأول هو الكفر والثاني يحتمل أن يكون كفرا ويحتمل خلاف ذلك فان أوهم انه يفرق بين المرء وزوجه بان يفعل في قلب الزوج أو قلبها ما لا يمكن ويكون معجزا فهو كالأول وان أوهم انه يزيل العقل ويحدث العيوب في أحدهما فهو كالأول وان ذكر انه يحتال بما يمكن للمرء أن يفعله حتى يفرق بينهما أو يقتل أو يفعل ما يؤدي إلى المرض فذلك فسق ليس بكفر وقد ذكر بعض مشايخ المتكلمين ممن عمل كتاب المتشابه ان رجلا تزوج امرأة على أخرى فعظم ذلك على الأولى وانها استعانت بغيرها فتوصل إلى أن قال للثانية ان أردت أن تنغرس محبتك في قلب الزوج ليختارك على الأولى فخذي موسى فاقطعي ثلاث شعرات من لحيته وهي ما يقارب الحلق وألقى إلى الزوج بأن هذه المرأة ستحتال عليه بالقتل فلما قرّبت الموسى منه في المحل الذي حرره لم يشك الزوج بان الامر على ما قال الرجل من أنها قصدت قتله فقام إليها وقتلها وكان ذلك تفرقة وقيل توصل إليها بهذه الحيلة فما يجري هذا المجرى يكون فسقا ولا يكون كفرا وكل ذلك مما يصح تعرفه من الأنبياء لكنهم يعلمون ذلك لكي يتحرز منه فيحسن ذلك والشياطين يعلمون ليعمل به فيقبح ذلك فهذا تأويل الآية وقوله تعالى {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يحتمل أن يكون المراد بهذا الاذن العلم دون الأمر ويحتمل أن يكون المراد فعلهم نفسه فيما عنده بفعل اللّه تعالى ما يضر من يضر غيره فيكون ذلك منسوبا إلى اللّه تعالى وما يفعله من حيث يقع بإرادته يجوز أن يقال إنه باذنه وبين ان من يفعل ذلك ماله عند اللّه من خلاق وزجر بذلك عن التمسك بالسحر والحيل ثمّ قال {وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} لأن من باع نفسه بما يأتيه من السحر فهو خاسر الصفقة في هذه التجارة.

[مسألة]

  قالوا ما معنى قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} وكيف تكون المثوبة خيرا من السحر