تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 93 - الجزء 1

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ} كيف يصح أن يأكل مال نفسه بالباطل. وجوابنا ان اللّه تعالى ذكر الاكل وأراد سائر التصرف ويحرّم على المرء في مال نفسه أن يتصرف فيه بالأمور المحرمة وأن يسرف في ماله ويبذر وأن يتجر فيه بالربا وغيره فهذا هو المراد فأما أكل مال الغير بالباطل فالامر فيه ظاهر ولذلك قال تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ}.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} كيف يصح النهي عن ذلك ومعلوم ان الانسان ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه. وجوابنا أن المفسرين حملوه على أن المراد أن لا يقتل بعضهم بعضا على حد قوله {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ} وقد ذكر فيه أن المراد، وأن لا يتعرض المرء لأسباب التلف فيكون في حكم القاتل لنفسه على حد قوله {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ويحتمل ان يكون المراد، بذكر القتل الهلاك ويكون معناه مفارقة المعاصي لأنها تؤدي إلى الهلاك ولذلك قال تعالى بعده {إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً} ثمّ بيّن تعالى بعده ما يدل على أن الكبائر لا تغفر فقال {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} فشرط تعالى في تكفير السيئات التي ليست كبائرا اجتناب الكبائر فدل بذلك على أن المؤاخذة تقع بها ولا تقع المغفرة بنفس الكبائر وهذا أحد ما يدل على أن أهل الصلاة فيما يفعلون من الكبائر إذا أصروا عليها يؤاخذون بها بالصغائر جميعا ودل قوله جل وعز {وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ} أن تمني ما يكون حسدا يقبح وان الواجب على المرء أن يتمنى ما يدبر عليه في أحوال الدنيا من نقصان وزيادة ولذلك قال {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} وفي الروايات ان العادة كانت في