تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 137 - الجزء 1

  أنه جعلهم في كل قرية وأمرهم بالطاعة وعاقبتهم هذا المكر وهذا كقوله تعالى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} وانما التقطوه لغير ذلك لكن لما كان مآل أمرهم إلى العداوة كما يقال خلقت الدنيا للفناء لما كان ذلك عاقبتها ولذلك قال تعالى {وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ} فذمهم على ذلك.

[مسألة]

  وربما سألوا عن قوله تعالى {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} كيف يصح ذلك عندكم وأنتم تقولون أراد من الكل الهدى وكيف يصح ذلك ونحن نعلم أن الكافر لا يكون ضيق الصدر بكفره بل ربما يكون أشرح بما هو عليه من المؤمن. وجوابنا ان المراد فمن يرد اللّه أن يهديه بزيادات الهدى كقوله تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً} لشرح صدره للاسلام لان زيادات الهدى أحد ما يقوي صدر المؤمن على ايمانه وقوله {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} أي عن هذه الزيادات من حيث يعلم أنه لا ينتفع يجعل صدره ضيقا حرجا فتضطرب عليه اعتقاداته الفاسدة إذا فكر فيها. وهذا يدل على قولنا في العدل إنه تعالى يفعل بالمؤمن ما يكون أقرب إلى ثباته على الايمان من شرح الصدر بزيادات الأدلة ويفعل بالكافر ما يكون أقرب إلى أن يقلع عن الكفر من ضيق الصدر والا فقد هدى الجميع بالأدلة وأزاح لهم العلة حتى لم يؤتوا الا من قبل أنفسهم وكل كافر إذا فتشت عنه متى نوظر وكلم يضيق صدره بما هو عليه من الكفر عند ايراد الأدلة عليه لكنه يكابر ظاهرا ويوهم انه على بصيرة ولذلك قال تعالى من بعد {كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}.

[مسألة]

  وربما سئل عن قوله تعالى {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} كيف يصح منه تعالى ان يوليهم مع ظلمهم أوليس قد قال