[مسألة]
  فيهم من يتخذ أحبارهم أربابا وانما يقول بعضهم ذلك في عيسى فقط. وجوابنا ان المروى عن رسول اللّه ﷺ أنه قال في معناه انهم لما أطيعوا فيما أمروا به ونهوا عنه وصفوا بأنهم اتخذوا أربابا وذلك صحيح فيهم وعلى هذا الوجه يوصف مالك العبد بأنه ربه إذا أطاعه فالأمر مستقيم وبين تعالى بعده بقوله {وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ان الطاعة والعبادة لا تحق الا للّه وكل من يطيع غيره فإنما يطيعه بأمر اللّه فتكون طاعته طاعة للّه ثمّ قال تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ} فوصف باطلهم بهذا الوصف وقال تعالى {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} فوصف الحق بهذا الوصف لصحته وبيانه ثمّ أردف ذلك بقوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ} فبين ان الذي يؤديه ﷺ هو الدين الحق ووصفه بأنه يظهره على الدين كله تحقيقا لقوله جل وعز {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} ثمّ بين ما عليه الأحبار والرهبان بقوله تعالى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فبين أن طاعتهم محرمة الا من أمر اللّه بذلك فيه على ما قلنا، ثمّ أتبعه بالوعيد العظيم لمن امتنع عن الزكاة بقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وأكثر المفسرين على أن المراد به مانع الزكاة وبين أن الأموال التي منعت منها الزكاة {يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} وذلك من أعظم الوعيد.
[مسألة]
  وربما قيل في قوله تعالى {مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} كيف خصها بالنهي عن الظلم وحال جميع الشهور سواء في ذلك. وجوابنا ان للأشهر الحرم التي هي رجب وشوال وذو القعدة وذو الحجة مزية في أن الظلم فيها يكون أعظم كما أن لنفس