تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 202 - الجزء 1

  لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ} بأن عصوا وخالفوا ثمّ قال {أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} وبين صفة ذوي الألباب فقال {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} فانظر أيها القارئ لكتاب اللّه كيف صفة من ينال الحسنى ويفوز بثوابها وكيف صفة ذلك الثواب العظيم فإنه لم يقتصر على أن لهم الجنة حتى بين أن من صلح من الأقربين يحصل معهم هتاك ممن كلف ويحصل معهم من لم يكلف أيضا من الذرية وأن اللّه تعالى يأمر ملائكته بالدخول عليهم في كل وقت بالسلام والتحية ويعرّفونهم أن كل ذلك جزاء لهم على ما صبروا فإنهم صبروا قليلا فدام لهم ذلك الملك والنعيم فهو معنى قوله {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} لأنها دائمة على عظم نعمها وخلوصها من كل شائبة ثمّ انه تعالى ذكر خلاف ذلك فيمن خالف ربه وعصى فقال {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} فالملائكة تلعنهم حالا بعد حال عن أنفسهم وعن ربهم ولهم سوء الدار وهو النار الدائمة التي عقابها خالص عن كل روح وراحة وقد حكى بعض الأئمة أنه سئل عن وصف المؤمن فتلا هذه الآية ولو أردنا أن نفسرها لطال الكتاب فان قوله {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} يدخل فيه القيام بسائر الواجبات التي عهدها الينا والقيام بكل الأمانات والوفاء بكل العقود وكذلك كل فضل منه ثمّ بين تعالى (أنه)