تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 222 - الجزء 1

  {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} استثناء منقطع ومعناه لكن من اكره وقلبه مطمئن بالايمان. فان قال قائل إن السؤال عليكم في ذلك لازم لأنه كأنه قال لكن من أكره على الكفر والكذب والاكراه لا يحسن ذلك. قيل له إنه تعالى لم يبين ما يكره عليه وما يأتيه المكره والذي يكره عليه هو غير الذي يأتيه المكره لان المكره انما يكرهه على الكفر والكذب والذي ينبغي أن يأتيه المكره هو ما أباحه اللّه تعالى له من التعريض فكأنه يقول إن لم تقل ان اللّه ثالث ثلاثة قتلتك فيقول هو عند الاكراه ذلك على وجه الحكاية أو على وجه دفع الضرر من غير أن يقصد الخبر فيحسن منه ذلك عند الاكراه فأما نفس الكذب فلا يحسن من العاقل على وجه وفي العلماء من يقول إذا كذب فالاثم مرفوع عنه وان كان قبيحا لمكان الاكراه والذي قدمناه هو الصحيح ولذلك قال تعالى بعده {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} فمدحه ثمّ ذمه بقوله {وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} إذ كانوا مختارين والاكراه زائل وقوله تعالى {ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ} يدل على قدرتهم على الطاعة والمعصية فصحّ بذلك أن يؤثروا أحد الامرين على الآخر لان قوله استحبوا الحياة الدنيا المراد به آثروا ما يشتهونه من الباطل وقوله {عَلَى الْآخِرَةِ} المراد به على ما يؤدي إلى عمارة الآخرة من الحق ثمّ قال تعالى {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} مع علمنا بأنه قد بين لهم ودلهم على ما يلزمهم ولولا ذلك لما كفروا يدل على أنه أراد بما نفاه الهدى إلى الثواب والجنة على ما بيّناه من قبل ثمّ بين تعالى حال الكافرين بأنه طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم والمراد به تشبيه حالهم بحال من هذا صفته ولولا ذلك لم يكن ليذمهم ولذلك قال بعده {وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ} ومن يمنعه اللّه من هذه الأفعال لا يسمى غافلا ثمّ حقق ذلك بقوله {لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ} وقوله تعالى من بعد {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} يدخل في