تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 224 - الجزء 1

  وذلك بخلاف قولكم. وجوابنا انه إذا كان يتبع ما يعرفه من شرائعه فذلك جائز عندنا وانما ننكر كونه متعبدا بشرائع من تقدم على معنى انه عرف ما دعوا اليه فتمسك بذلك من دون أمر مبتدأ من قبله تعالى أوحى به اليه ثمّ أوجب تعالى بقوله {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} على رسوله أن يدعو إلى توحيد اللّه وعدله وإلى سائر ما يكون دينا وحقا وبين له كيف يدعو وذلك واجب على غير الرسول أن يفعله بمن يجهل الدين كما قال تعالى {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً} وبين هذا بقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} على أن من أقدم في باب الدين على ما لا يحل فهو مؤاخذ على ذلك. ودل به على أن الضلال والاهتداء من قبل العبد وقوله تعالى {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ} وهو مجاز لأن ما يفعله العبد لا يكون عقابا في الحقيقة فهو كقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ} ثمّ بين تعالى ان الصبر على ذلك والاخذ بالعفو خير من الانتقام وبين ان صبره يكون باللّه تعالى بقوله {وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} فدل بذلك على أن الصبر وسائر الطاعات انما تقع عند الطاقة وتيسيره وتسهيله وبيّن بقوله تعالى من بعد {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} انه تعالى يخص بالغفران والرحمة من يوصف بأنه متق ومحسن وذلك يدل على قولنا في الوعيد.