[مسألة]
  بذلك لخوفهم من هذا العذاب وقوله تعالى بعد ذلك {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} يدل على أن معرفة اللّه تعالى مكتسبة وأن من لا علم له لا يحل ان يجادل بل الواجب أن ينظر ويتعلم وفيه دلالة على بطلان التقليد وقوله {وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ} يدل على أن هذا الاتباع فعله ولذلك ذمّه عليه وقوله {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} المراد به يصرفه عن طريق الجنّة ولذلك قال {وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ} ونبّه تعالى على قدرته على الإعادة بقوله {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} فدل بخلقه الانسان على هذا الترتيب وبقدرته عليه على جواز الإعادة ودلّ أيضا بقوله {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ} على مثل ذلك ثمّ حقق ذلك بقوله تعالى {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ما قدمت من قدرته على الإعادة ومعنى ذلك أن إلهيته ووحدانيته هي الحق فوصف بذلك نفسه وأراد ما ذكرنا وذلك مجاز لأن الحق هو عبارة عن صحة الأمور التي يعتقدها المحق ولذلك اتبعه بقوله {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها} فبطل بذلك ما كان عليه فرقة من العرب من إنكار الإعادة كما وصفهم بقوله تعالى {قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}.
[مسألة]
  وربما قيل في قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ} ما المفهوم من ذلك ولا يعرف ذلك في اللغة؟ وجوابنا أن المنافق يظهر العباد ويبطن خلافها فشبه تعالى ظاهر أمره بحرف لأن الحرف هو طرف الشيء والمرء يحتاج في العبادة أن يظهر باطنا وظاهرا فلمّا أظهر المنافق ذلك من أحد الوجهين وصفه تعالى بذلك ولذلك قال بعده {فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ