تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 31 - الجزء 1

  ثمّ بين انه تعالى على هذه المصالح قدير بان يبينها كما شاء فلا يدل ذلك على أن كل شيء داخل في قدرته كنحو أفعال العباد من كفر وايمان وقد يقال هو قدير على كل شيء لأنه الذي يقدر غيره كما يقال للملك انه مالك للبلاد وما فيها لما كان مقتدرا على أن يملك الغير ويسلبه ملكه ولذلك قال {أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} وزجر المرء عن أن يتكل الا على عبادته.

[مسألة]

  قالوا كيف قال تعالى {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ} وكيف منع من مسألة الرسول وقد نصبه اللّه تعالى معلما ومبينا. وجوابنا ان المراد المنع من مسألته على الرد والتعنت لا على وجه التفهم ولذلك قال {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ}.

[مسألة]

  وربما قالوا كيف يبدأ تعالى بقوله {أَمْ تُرِيدُونَ} وعند العرب لا يبتدأ بذلك الاستفهام بل يبنى على كلام متقدم. وجوابنا انه قد يحذف المتقدم إذا دل الكلام عليه وذلك كقوله {ألم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ} ثمّ قال {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} وقد قيل إن معناه بل تريدون أن تسألوا رسولكم يقول ذلك لليهود وقد تقدم ذكرهم.

[مسألة]

  وسألوا فقالوا كيف قال {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} أفتقولون كانوا يعرفون الاسلام والنبوّة مع اظهارهم اليهودية. وجوابنا ان ظاهر الآية يدل على ذلك لأن كثيرا منهم كان يعرف ذلك ويبقي على اليهودية لاعراض الدنيا وقوله تعالى {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} يدل على أن حسدهم للرسول وللمؤمنين لم يكن من خلق اللّه تعالى والا لم يضفه إلى أنفسهم ورغب تعالى بقوله