تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 344 - الجزء 1

  الداعي له إلى القبيح زينه في عينه حتى اعتقده بهذه الصفة وهذه طريقة اتباع من يضل ويفسد وبيّن تعالى بعده أنه الذي يضل عن الثواب فقال {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ}.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} كيف يصح ومن ليس بعالم قد يخشى عقاب اللّه؟ وجوابنا أن المراد الخشية الصحيحة فإنها لا تقع إلا من عالم باللّه تعالى على حقه ومن عالم بثوابه وعقابه ومن عالم بما تؤدي هذه الخشية من العبادات وبما معه يثبت ما يخشاه فهذا معنى الكلام ثمّ أنه تعالى رغّب في طاعته نهاية الترغيب بأفصح قول فقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.}

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ} كيف يصح في الأنبياء أن يكون بعضهم ظالمين وبعضهم مقتصدين وبعضهم سابقين بالخيرات والواجب أن يكون جميعهم من السابقين؟ وجوابنا ان المراد أنه تعالى أورث الكتاب الأنبياء الذين بعثهم من جملة عباده والاقسام المذكورة لم ترجع إليهم بل ترجع إلى عبادنا فكأنه قال ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من جملة عبادنا وعبادنا منهم ظالم لنفسه وهم الذين يعصون ربهم بكفر أو فسق ومنهم مقتصد وهو المؤمن التائب