تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 362 - الجزء 1

  أن يخلق ما يشاء لا يجوز أن يتخذ ولدا فعلى هذا الوجه ذكر ذلك وقوله تعالى {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ} ربما سألوا فيه وقالوا كيف أنزلها؟

  وجوابنا أنه تعالى خلقها في السماء ثمّ انزلها إلى الأرض كما خلق آدم في السماء ثمّ أهبطه إلى الأرض.

[مسألة]

  وربما قيل ما معنى قوله {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} والمعلوم انه خلق واحد. وجوابنا ان المراد خلق ما تتغير به النطفة فتكون علقة إلى أن يستقر الخلق التام فهذا هو المراد وقوله تعالى {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} يدل على أن أحدا لا يؤخذ بذنب غيره فيبطل بذلك قولهم ان الطفل يعذب بكفر أبيه.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} كيف يصح ان يكون أول المسلمين وقد تقدمه من المسلمين ما لا يحصى عدده؟

  وجوابنا ان المراد وأمرت أن أكون أول المسلمين من قومي وذلك معقول من الكلام وفي قوله تعالى {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً} دلالة على أن الاعمال لا يستحق بها الثواب الا على هذا الوجه وقوله {قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يدل على أن النبوة لا تمنع من هذا الخوف فكيف يمنع منه ان يكون المرء من أولاد الأنبياء كما يقوله بعض العامة من الامامية حتى يزعمون أنّ من ولد من فاطمة & قد حرّم اللّه تعالى النار عليه وقوله تعالى من بعد {فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} هو على وجه الزجر والتهديد لا انه أمر في الحقيقة وقوله تعالى من بعد {أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} يدل على أن الوعيد الوارد عن اللّه تعالى واجب لا يجوز خلافه وإذا لم يجز أن ينقذ الرسول من النار فكيف يصح ما يقوله القوم من أنه بشفاعته يخرج الكثير من أهل النار؟