تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 366 - الجزء 1

  فَتَكْفُرُونَ قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} ولو لم يصح عذاب القبر لكانت الإماتة مرة واحدة وقولهم {فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا} يدل على أن الذنوب من قبلهم ولو كانت من خلق اللّه تعالى فيهم لكانوا بدلا من اعترافهم يقولون ما ذنبنا إذا خلقت فينا ولم يمكننا أن ننفك منه وقوله تعالى من بعد {رَفِيعُ الدَّرَجاتِ} فالمراد به ما يرفعه من درجات غيره فليس للشبهة بذلك تعلق.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ} كيف يصح ان يقول ذلك وقد أفنى الخلق على ما يروى في الأخبار ولا يكون فيه فائدة وان كان يقوله تعالى وقد أعاد الخلق فما الفائدة فيه وقد عرفوا في الآخرة أن الملك للّه الواحد القهار؟ وجوابنا أنه تعالى يقوله وقد أعاد منبها بذلك على أنه لا حكم في الآخرة الا له ولا ملك الا له وان الآخرة مخالفة للدنيا فإنها وان كان الملك فيها للّه لكنه قد فوّض إلى الغير النظر في ذلك وما يرى من أنه تعالى يقوله ولا أحد ولا يصح بل القرآن يشهد بخلافه وهو قوله تعالى {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ} ثمّ قال تعالى {لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ} فإنما يقول ذلك في ذلك اليوم ولذلك قال تعالى بعده {الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} والمعروف للمكلفين من أهل الثواب والعقاب أن الواقع بهم هو المستحق وأنه لا ظلم هناك وأنه بخلاف أيام الدنيا التي يجري فيها الظلم وغيره وقوله تعالى {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} يدل على أن العبد هو الذي يفعل المعصية ولو كان تعالى يخلقها فيه ثمّ يعذبه أبد الآبدين لكان ذلك ظلما ويدل أيضا على أن أطفال المشركين لا يعذبون لأنهم لو عذبوا ولا ذنب لهم لكان العقاب من أعظم الظلم وقوله تعالى {فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} يدل على أنه تعالى ليس بجسم وإلا كان يجب في محاسبة الخلق أن تطول كما يطول ذلك منا فإنما يكون سريع الحساب