تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 416 - الجزء 1

  الرسول وبعثته من بين الجميع ان يخرجوا من الكفر إلى الايمان. فان قيل فقد قال تعالى {لِيُخْرِجَكُمْ} فيجب ان يكون الايمان من خلقه.

  وجوابنا انه بيّن أنه يخرجهم بهذا السبب ولو كان الاخراج والايمان من خلقه لم يصحّ ذلك لأنه سواء أنزل القرآن أو لم ينزل فالحال واحدة وقوله تعالى {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ} أحد ما يدل على فضل أكابر الصحابة ومن تقدم إسلامه كالعشرة وغيرهم وإنما كان كذلك لأن موقع الانفاق من قبل كان أعظم من موقعه من بعد ثمّ قال تعالى {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى} منبّها بذلك على أن الثواب يعمّ الكلّ.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أليس ذلك يدل على أن الّذين آمنوا لم يكونوا خاشعين وأنه كان فيهم من هو قاسي القلب وذلك بخلاف قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ}. وجوابنا ان المؤمن لا يكون في الجملة إلا خاشعا خاضعا للّه وإنما امر تعالى أن يخشعوا لذكر اللّه وعند سماع القرآن لان فيهم من يسمع غافلا لاهيا فهو كقوله تعالى {أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} فأما قوله تعالى {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} فهو من وصف الكفار من قبل وقوله تعالى {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} انما قاله فيمن أوتي الكتاب ثمّ آمن فيما بعد.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} كيف يصح ذلك وفي جملتهم الفساق وأصحاب الكبائر؟ وجوابنا أن المراد بذلك من آمن بالرسول في أيامه وكذلك كانوا ولو