تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 481 - الجزء 1

سورة قريش

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} كيف يصح ذلك ومعلوم أن فيهم من لم يطعمه اللّه من جوع كالذين يقطعون الطريق ويفسدون في الأرض وفيهم من لم يؤمنه من خوف كالذين يخافون الفتن وغيرها في تلك البقعة وغيرها؟ وجوابنا أن قوله تعالى {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ} مخصوص لأنه راجع إلى قوله تعالى {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ} فإنما ورد في هؤلاء التجار وهؤلاء لا يمتنع أن يكون ما ذكره اللّه تعالى واقعا فيهم فأطعمهم اللّه جميعهم من جوع وآمنهم من خوف، فان قيل فإن كان اللّه تعالى أطعمهم فيجب أن يكون هو الخالق للأكل فيهم كما يقوله أهل الاجبار؟ وجوابنا أنه من جهة العادة يقال إن فلانا أطعم القوم إذا مكنهم من الأكل وأباح ذلك لهم فلما كان تعالى أباح لهم التصرف في التجارات وغيرها ورزقهم من أرباحها ما يكون طعاما لهم جاز أن يصف نفسه بأنه أطعمهم من الجوع وآمنهم من الخوف ومعلوم أنه قد خص اللّه تعالى هذه البقعة من الأمن بما باينت به غيرها من البقاع ولم يقل تعالى وآمنهم من كل خوف فورود بعض أسباب الخوف عليهم لا يخرجهم من أن يكونوا قد آمنوا من بعض آخر.

  تنزيه القرآن (٣١)