[مسألة]
  يجوز على الأنبياء. وجوابنا في ذلك من وجوه (أحدها) ان خصمه المنقطع لان إبراهيم # أراد إحياء من لا حياة فيه فلم يكن له في ذلك حيلة وادعى الاحياء على وجه التبقية ومع ذلك زاده بيانا آخر لا يمكنه التمويه فيه (وثانيها) انه أراد اثبات الألوهية بأمر لا يصح منا وذكر إحياء الميت لدخوله في هذه الجملة فإذا عدل إلى ذكر الشمس وطلوعها فإنما عدل عن مثال إلى مثال لأن الأمثلة تذكر للايضاح (وثالثها) انه بين له انه لم يقدر على أن يأتي بالشمس من المغرب مع أن ذلك من جنس الحركات التي يقدر العبد عليها فكيف يصح منه ما ادعاه في إحياء الميت (ورابعها) أنه استأنف له حجة أخرى لما انقطع في الأول وادعى ما هو خارج عن طوق الاحياء (وخامسها) أن المحاجة من الأنبياء تقع على طريقة الاستدعاء فلهم ان يؤدوا حالا بعد حال ما يكون أقرب إلى الاستجابة ولا يقع ذلك على طريقة المناظرة، وإذا كان اللّه تعالى نبه المكلفين بذكر الأدلة على وجه التحقيق يكلهم بذلك إلى التدبير والتفكر.
  فالأنبياء صلى اللّه عليهم مثل ذلك بحسب ما يغلب في ظنهم من تأثيره فيمن يخاطب بذلك فلذلك قال تعالى بعده {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} لأنه في الفصل الثاني تحير ولم يتمكن من إيراد شبهته كما أورد في الفصل الأول (فان قيل) فلو إنه قال لإبراهيم ﷺ عند قوله {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ} إن كان اللّه تعالى يأتي بها من المشرق فليأت بها من المغرب فكيف يكون حاله (قيل له) لو قال ذلك يسأل ربه أن يأتي بها من المغرب حتى يصير مشاهدا لها وقوله تعالى بعد ذلك {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} يدل على أنه أراد بالهداية الإثابة أو طريقة الجنة أو الألطاف التي هي زيادات الهدي فان الهدى الذي هو الدلالة قد هدى به الظالمين كما هدى به المتقين. وفي هذه الآية دلالة على بطلان التقليد لانّ الأنبياء صلّى اللّه عليهم وسلم إذا لم يقتصروا على قولهم بل استعملوا المحاجة مع خصومهم فكيف يسوغ لأحد في الديانات التقليد.